الزلزال المدمر.. متى؟

آثار زلزال عام 1927 في نابلس بقوة 6.2 على سلم ريختر
آثار زلزال عام 1927 في نابلس بقوة 6.2 على سلم ريختر

الرسالة نت

ضربت فلسطين، في الأشهر الثلاثة الماضية، سلسلة هزات أرضية متتالية، تراوحت قوتها بين 3.1 و3.7 درجات على سلم ريختر، آخرها كان في الخامس عشر من شباط الماضي بقوة 3.5 في الأردن، وشعر به الناس في شمال فلسطين (وتحديدًا في مناطق الأغوار الشمالية، بيسان، طبريا وصفد).

وفي اليوم التالي (16 شباط) حدث زلزال آخر بقوة 3.1 وكانت بؤرته قرب بيسان في الغور الشمالي، وشعر به العديد من سكان الأغوار الشمالية والعفولة.

هذه هي المرة الخامسة منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي التي يشعر فيها الناس بزلزال في فلسطين؛ ففي شهر كانون ثاني الماضي وقع زلزالان في شمال فلسطين تفصل بينهما 12 ساعة: الأول بقوة 3.7 على مقياس ريختر وقع في منطقة بيسان وشعر به الناس في مناطق واسعة بالشمال.

وتبيَّن أن مركز الزلزال كان على بعد 16 كم شمال شرق بيسان؛ وفي وقت لاحق من ذلك اليوم شعر الناس بزلزال آخر في ذات البؤرة؛ هذه المرة كانت قوته 3.5. 

وفي تشرين أول/ أكتوبر الماضي ضرب زلزال بقوة 5.8 درجة في البحر الأبيض المتوسط بمنطقة جزيرة كريت، وشعر العديدون في فلسطين أيضًا بالزلزال، علمًا أن مركز الزلزال كان في البحر الأبيض المتوسط ​​جنوب اليونان.

في السنوات الأخيرة، شعر الناس في فلسطين بسلسلة زلازل تراوحت قوتها بين 3 و 4 درجات حدثت على عدة خطوط صدع في البحر وفي لبنان، لكنها لم تكن مدمرة.

 وخلال العقد ونصف العقد المنصرم ضربت منطقة شمال البحر الميت بضعة زلازل تراوحت قوتها بين 4 و4.7. 

وكما هو معروف تاريخيًا، حدثت في فلسطين في القرون الماضية زلازل بلغت قوتها 6-7 درجات على طول صدع البحر الميت.

الزلزال المدمر الأخير ضرب فلسطين قبل 95 سنة (عام 1927)، فتسبَّب بدمار واسع في العديد من المناطق، وبخاصة نابلس والقدس وصفد؛ فقتل المئات، إضافة لمئات الجرحى.

 أما الزلزال القوي الأخير في منطقتنا فكان عام 1995 في نويبع بشبه جزيرة سيناء، وألحق أضرارًا في المباني في أم الرشراش (إيلات).

الزلزال المدمر

السؤال ليس ما إذا كان سيحدث الزلزال، بل متى سيحدث؟

عادة، سلسلة الزلازل الصغيرة تسبق الزلزال الكبير. لكن، لا يمكننا معرفة توقيت حدوث الزلزال المدمر.

 التاريخ الإحصائي للزلازل في منطقتنا يشير إلى أن متوسط الفترة الزمنية بين زلزالين مدمرين (مع إصابات قاتلة) نحو مائة سنة. بمعنى أن "الهدوء" الزلزالي قد يستمر أشهرًا قليلة أو سنة بعد الزلزال المدمر، وقد يستمر بعده أكثر من مائتي سنة.

من الناحية الجيولوجية، تقع فلسطين إجمالاً، والمنطقة التي ضربتها الهزات الأرضية الأخيرة تحديدًا، على ملتقى صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، وتحديدًا في منطقة الكسر الجيولوجي المعروفة بالصدع السوري- الإفريقي، والذي يعد طبقة صخرية حدثت فيها إزاحات أو كسور، وبخاصة في منطقة البحر الميت.  لذا فإن فلسطين عرضة، وباحتمالية مرتفعة، لهزة أرضية مدمرة. وبما أن هذا الصدع نشط زلزاليًا، فإن هزات أرضية قوية حدثت وقد تحدث على امتداد نحو ألف كيلومتر من الصدع. 

ويمتد الصدع السوري- الإفريقي من خليج أم الرشراش (البحر الأحمر) مرورًا بالأغوار وبحيرة طبريا ووصولًا إلى جنوب تركيا. 

وفي الماضي، ضربت الجزء الفلسطيني من الصدع بضع هزات أرضية قوية، منها الهزة الكبيرة التي حدثت عام 749م وتسببت بدمار هائل في مدن طبريا وبيسان وأريحا، وفي القرن السادس عشر قُتل الآلاف في زلزال آخر مدمر في القدس والخليل ونابلس والرملة. 

أما زلزال عام 1837 فقد دمر طبريا وصفد تدميرًا كبيرًا وتسبب في مقتل الآلاف. 

الهزة الأرضية القوية الأخيرة في منطقتنا حدثت عام 1995 في خليج العقبة (منطقة أم الرشراش/ "إيلات")، وبلغت قوة الزلزال آنذاك 7.2 على سلم ريختر؛ وكانت الأضرار طفيفة، نظرًا لأن بؤرة الزلزال بعيدة نسبيًا، وتحديدًا نحو 70 كم جنوب أم الرشراش (إيلات).

العلماء لم يتمكنوا حتى الآن من إيجاد طريقة تمكنهم من التنبؤ الدقيق بحدوث زلزال.  فمنذ بضع سنوات، تتكرر الإنذارات الساخنة لاحتمال حدوث هزة أرضية وشيكة في فلسطين، ومن المتوقع أن تحدث مثل هذه الهزة في كل لحظة.  

وبحسب دراسة المعطيات الإحصائية للهزات الأرضية التي حدثت في فلسطين في السنوات الألف الأخيرة، والتي أجرتها مجلة "آفاق البيئة والتنمية" قبل نحو إحدى عشرة سنة واستندت فيها إلى العديد من المراجع الجيوفيزيائية والجيولوجية، فقد بُلور سيناريو أولي للهزات المتوقع حدوثها مستقبلًا؛ إذ يتوقع حسب الدراسة الإحصائية، حدوث ارتجاجات جيولوجية جدية في فلسطين، في السنوات أو العقود القريبة القادمة

الهزات الخفيفة المتتالية التي تعرضت لها فلسطين، منذ عام 2004، تشير إلى ارتفاع احتمال تعرض المنطقة لزلزال كبير.  ومن المتوقع ألا تزيد قوة الزلازل في منطقتنا على 7 درجات، وبخاصة إذا كان مركز الزلزال في منطقة طبريا أو إصبع الجليل.

وهناك احتمالية حدوث الزلزال في البحر، مقابل الساحل الفلسطيني، وربما على مسافة كيلومترات قليلة من شواطئ يافا أو غزة أو حيفا، وفي هذه الحال قد يتلو الزلزال أمواج تسونامي العاتية التي قد تغرق كل المتواجدين قرب الشاطئ، وقد يكون حجم الدمار الناتج خلال ثوانٍ معدودة مروعًا.

هل من علاقة بين التجارب النووية الإسرائيلية والزلازل؟

يذهب بعض خبراء الجيولوجيا إلى أن التجارب والتفجيرات النووية الإسرائيلية تؤثر على احتمالات حدوث زلازل في المنطقة، لاسيما أن هذا النشاط النووي يتلاحم مع نشاط الصفائح التكتونية للقشرة الأرضية غير المستقرة في فلسطين، والمهيأة أصلًا لنشاط زلزالي. 

ويرى أولئك الخبراء أن تلك التجارب والتفجيرات لعبت دورًا في إثارة منطقة الصدع السوري الإفريقي، وبالتالي ساهمت في حدوث زلازل بقوة صغيرة أو متوسطة، في السنوات الأخيرة.

ويعتقد خبراء آخرون أن "إسرائيل" تخلصت وتتخلّص من نفاياتها النووية في مواقع قريبة من الشق الجيولوجي الذي يتميز بالنشاط الزلزالي، وتحديدًا في البحر الأبيض المتوسط، وجبال الخليل في الضفة الغربية، وصحراء النقب، ومنطقة الحلوصة على الحدود المصرية، وفي هضبة الجولان السورية.

 لذا، يرى أولئك الخبراء أن مخاطر بيئية وجيولوجية جدية تكمن في دفن هذه النفايات في تلك المواقع، وبخاصة من ناحية احتمالات تفاعل المواد النووية مع القشرة الأرضية الضعيفة في تلك المناطق.

العِلم في مواجهة الإشاعات

مع أن أوقات التحذير المتاحة قبل حدوث زلزال، لا تتجاوز بضع ثوان في أحسن الحالات، ينتشر بين الفينة والأخرى الهلع في أوساط الناس بسبب شائعات مفبركة مفادها أنه خلال ساعات أو أيام سيضرب فلسطين زلزال كبير.

وبالرغم من عدم وجود وسيلة فعّالة، حتى الآن، تنذرنا بقرب حدوث هزة أرضية، وبالتالي منعها، إلا أن هناك وسائل للتقليل من آثار الكارثة، باتخاذ الإجراءات اللازمة، قبل وفي أثناء وبعد حدوث الزلزال، وفي جميع المستويات، ابتداء بالمواطن العادي، ومرورًا بالخبراء، ووصولًا إلى المسئولين السياسيين وصناع القرار. 

وتوجد وسائل لتقليص حجم الدمار الناتج عن الزلازل بحيث ينخفض كثيرًا حجم الخراب الهائل الذي قد تخلّفه، علمًا أن الزلزال بحد ذاته لا يقتل، بل ما يقتل هو دمار المباني والمنشآت والحرائق الناتجة عنه.

 وكما هو متوقع، لن يعاني قاطنو المباني التي أنشئت حسب المواصفات المقاومة للزلازل الخسائر البشرية، حتى في حال حدوث هزات أرضية كبيرة. 

وفي الآونة الأخيرة، يحاول بعض العلماء توفير الحلول الفعالة لتقوية المباني ضد الهزات الأرضية.

ومن أهم التوصيات المقترحة: إضافة جدران.

 إصلاح المباني باستخدام مواد مرّكبة من ألياف خاصة.

مراقبة كتل الأجسام والأثقال المتحركة (الدينامية) في داخل المباني.

 تقوية المباني باستعمال كوابل أو قضبان فولاذية، وغير ذلك.

 وفي الواقع، جميع المباني غير المطابقة للمواصفات يجب تقويتها بالإضافات المناسبة، أو بإضافة أجنحة إضافية لها، أو بتعبئة الفراغات في الطوابق الأرضية بالباطون.

وحسب ترتيب الأولويات، يفترض، بداية، معالجة المباني والمنشآت العامة والحكومية، والجسور، والمشافي، والمؤسسات التعليمية، والمدارس، والاتصالات، وما إلى ذلك؛ إذ إن هذه المباني والمنشآت يجب أن تكون عاملة في أثناء الهزة الأرضية وبعدها، لتقديم المساعدة اللازمة. 

ماذا لو ضرب فلسطين زلزال بقوة 7 على سلم ريختر؟

عام 2010 ضرب هاييتي زلزال مدمر قتل أكثر من مائتي ألف فرد وشردَّ الملايين.

  ماذا سيكون الحال لو ضرب فلسطين زلزال بنفس قوة زلزال هاييتي (7 على سلم ريختر)؟  هل نحن على استعداد لمواجهته؟  الجواب الأكيد لا!

بحسب بعض الدراسات الإسرائيلية الأخيرة، فإن 40 % من المباني والمساكن الإسرائيلية عرضة للانهيار أو الإصابة الجدية في حال حدوث هزة أرضية قوية. 

وفي المقابل، نسبة المباني في الضفة الغربية وقطاع غزة التي هي عرضة لنفس المصير أكبر بكثير.

الأبحاث أثبتت أنه في حال حدوث هزة أرضية في فلسطين بقوة تفوق 6 درجات على سلم ريختر، فإن المباني المبنية على أعمدة في طابق أرضي مفتوح (الطابق الرخو)، ستتعرض لانهيار شبه أكيد، بما في ذلك المدارس والمشافي، وقد يصل عدد القتلى إلى الآلاف.

 كما أن المناطق الساحلية مرشحة لدمار أكبر من غيرها، بسبب الرطوبة البحرية الطبيعية التي أخلّت بهياكل المباني وأضعفتها. 

يا للأسف، في السنين الأخيرة، لم يُنجز أي شيء جدي لتحسين مقاومة المباني والمنازل والبنى التحتية لزلزال بقوة ( 7-8 درجات). 

وبالرغم من بعض الاجتماعات وورشات العمل والندوات التي عقدت، وبعض التقارير العلمية الخطيرة التي نشرت، لم يُعمل حتى هذه اللحظة، على تقوية المباني العامة المخصصة للخدمات الإنسانية مثل المشافي وبيوت المسنين والمدارس، وبخاصة تلك المتواجدة في المناطق الحساسة للهزات الأرضية؛ علمًا أن التكلفة السنوية التقديرية لتقوية عدد لا بأس به من المباني والمؤسسات العامة لا تتجاوز بضع ملايين من الدولارات. 

كما لم يُنفّذ أي شيء يُذكر لتقوية المنازل الفلسطينية القائمة. وباعتقادنا؛ يتطلب هذا الأمر مخططًا هيكليًا خاصًا يتيح للمواطنين تقوية منازلهم، مقابل حصولهم على حقوق أو تراخيص للبناء.

في السنوات الماضية، طالما حذرنا في مجلة آفاق البيئة والتنمية من الخطورة المميتة للحالة الفلسطينية، من حيث الضبابية والعشوائية المرتبطة بكيفية تصرف الجهات والأجهزة الحكومية المختلفة في المناطق التي قد تُنْكَب بزلزال قاتل.

 كيف سيعاد بناء الشوارع والمنازل؟ 

في أي الأماكن سيوضع المهجرون كي يتمكنوا من مواصلة العيش؟  لماذا لا يجري التخطيط، وبسرعة، لإجراء تدريبات شاملة على كيفية التصرف في أثناء زلزال بقوة 7 ريختر، بحيث تستهدف جميع الناس، وبخاصة المدارس والروضات والجامعات؟  ولا يقتصر هدف هذه التدريبات على مجرد فحص مدى استعداد قوى وأجهزة الإنقاذ والأمن والسلطات المحلية، بل دراسة سلوك وتصرف المواطنين بعامة.

وهنا لا بد للأجهزة المعنية والدفاع المدني وفرق الإنقاذ والطوارئ ووزارات البيئة والصحة وغيرها، أن تأخذ في الاعتبار قائمة طويلة من الاستعدادات الوقائية، نذكر منها: التعليمات الخاصة بالمقابر الجماعية لمنع تفشي الأوبئة، وإزالة جثث الحيوانات، وإزالة نفايات ومخلفات المنشآت والمباني الكثيرة التي ستتهاوى.

 علمًا أن أحد الخيارات الممكنة هي التخلص من هذه النفايات والمخلفات بإلقائها في البحر، فضلًا عن المعالجة السريعة والطارئة لشبكات المياه العادمة التي قد تتحطم.   

المصدر: جورج كرزم

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

البث المباشر