مثّل مخيم جنين، ثاني أكبر مخيمات الضفة، عنصر استقطاب مهم لكوادر الحالة الوطنية المتمردة على واقع السلطة والاحتلال معاً، وصولاً إلى اعتباره حالة تمرد مثيرة للقلق الأمني والسياسي تحديداً في السنوات الخمس الأخيرة.
المخيم استفز العقلية الأمنية لكل من السلطة والاحتلال، لدرجة أنه أسهم في إقالة غالبية القيادات الأمنية للسلطة عقب جنازة القيادي الوطني الراحل وصفي قبها، واستقطب مسؤولين أمنيين بارزين للعمل فيها، كان على رأسهم أكرم الرجوب، المحافظ سيء الصيت في الضفة والمعروف بتقلباته الأمنية.
كل ذلك لم ينجح في احتواء وترويض الحالة الأمنية في المخيم، رغم ما رافقه من حملات أمنية تخللتها في أحيان عديدة اغتيالات لعناصر مطلوبة في المخيم، إلى جانب اختطاف شخصيات أخرى على يد أمن السلطة والاحتلال.
وصل الأمر حد وضع كل مطلوب في المخيم على لائحة المطاردة المشتركة بين الأمنين السلطوي والاحتلالي، وفتح خط ساخن بين أمن المخيم ومسلخ أريحا، الذي يعج بمئات المعتقلين السياسيين.
ما سبق يسلط الضوء على الأسباب التي أهلّت المخيم للقيام بدوره في قيادة الدفاع والمواجهة مع الاحتلال ومشروعه في الضفة المحتلة، أهمها تشكيل المخيم عنصر استقطاب مهم بفعل مميزاته الجغرافية والديمغرافية أيضًا.
يضاف إلى ذلك غياب الانتماء الكلاسيكي للقوى السياسية للمطاردين، فليس ثمة بنية تنظيمية واضحة يمكن الانقضاض عليها إسرائيلياً أو سلطوياً، إلى جانب ميلاد جيل يؤمن برمزية السلاح مقابل العمل السياسي وتعقيداته وتفاصيله، ويؤمن بالتالي أن (إسرائيل) هي العدو وأي تصالح معه جريمة.
قناعات يكتنزها أبناء فتح قبل غيرهم، ما يجعل كتائب شهداء الأقصى في مصاف الاستهداف والاعتقال، كما يقول القيادي بحركة الجهاد الإسلامي ماهر الأخرس، مضيفًا أنّ عناصر كتائب الأقصى تعرضوا لتعذيب أشد على يد الأجهزة الأمنية.
وكذلك قال القيادي بالجهاد محمد علان، "إن الضابط أو الكادر الذي ينتمي لفتح إذا ما فكر بعمل مقاوم يتعرض لتعذيب أشد مما يتلقاه أي مقاوم من الفصائل الأخرى"، في محاولة لكي الوعي الفتحاوي والضغط عليهم للعدول عن أي عمل مقاوم.
يضاف لما سبق ظاهرة "الذئاب المنفردة" التي تعني بالضرورة الانسلاخ عن مفهوم التأطير التنظيمي برمته، كما تعني الانتماء لفكرة الخلاص من المحتل وتنفيذ عملية فدائية لا تحتاج الكثير من الإمكانات.
وفي بساطة الإمكانات التي يحتاجها المقاوم فذلك يمثل سببًا آخر لنجاح المقاومين في تنفيذ عملياتهم الفدائية، وهي إمكانات لم تكن تحتاج بنية تنظيمية يمكن التغول عليها إسرائيلياً.
بالمتابعة لمجريات الأحداث، نستنبط فقدان السلطة للسيطرة على "جنين"، التي عاظمت وجود المقاومة في مخيمها، فأصبحت منطلق عمليات في عمق الاحتلال. إن عجز السلطة "كذراع تنفيذي للاحتلال في الضفة"، يضع الاحتلال أمام خيارين للتعامل مع معضلة جنين، كما يقول الباحث أيمن علي.
يوضح علي في حديث لـ"الرسالة" أنّ الخيار الأول تنفيذ عملية عسكرية موسعة على غرار 2003، إلا أن حكومة الاحتلال أضعف من القيام بذلك، لكن إن وضع هذا الخيار على الطاولة، فيتحتم على غزة أن يكون لها موقف رادع.
أمّا الخيار الثاني، فيتمثل في الفكفكة الأمنية، وهو الأخطر، الذي يشترك فيه "الشاباك" مع "وقائي ومخابرات السلطة"، في محاولة إسقاط المخيم، بتجنيد المصادر، وبث الفتنة والاقتتال الداخلي، إضافة لأنشطة جانبية أخرى "كالمخدرات، والرذيلة..." ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حسب تعبير علي.
ويقترح الباحث تشكيل مجلس قيادة موحدة للحالات العسكرية في المخيم؛ بغرض تشكيل وحدة فهم سياسي وعملياتي وقطع الطريق أمام جهود بث الفتنة والفُرقة.
أما بشأن النشاط الاستخباراتي فيرى علي أن يسير في اتجاهين: الأول سلبي قائم على مكافحة التجسس وإحباط عمليات العدو الأمنية، وآخر إيجابي قائم على المبادرة واختراق أجهزة السلطة والكيان معًا، مشيرًا إلى أن هذا النشاط يحتاج إلى تدريب، ويمكن التدريب عن بعد أو خارج البلاد.
كما نوه بأهمية النشاط الإعلامي التعبوي، وحشد الجماهير لصالح خيار المقاومة.