كأن قتل الفلسطيني أصبح أسهل ما يمكن أن يحدث على هذه الأرض، قتل جنود الاحتلال غادة سباتين (45 عاما) برصاصتين ومنعوا اي أحد من إنقاذها أو حتى الاقتراب منها، وتركوها هكذا تنزف حتى الموت.
اليوم العاشر من رمضان، سيكون الأول لستة أطفال فقدوا والدهم قبل سنوات، اليوم سيلتفون وحدهم على مائدة الإفطار، لأن الاحتلال قتل أمهم بالأمس بدم بارد.
أكبرهم محمد في الثانوية العامة، أما مصطفى فقد وقف يواسي شقيقه الأصغر عمر البالغ أحد عشر عاما، وقد التف حولهما الرفاق في زاوية على درجات المنزل، أما خديجة ابنة الشهيدة، فقد ضمت ذراعيها إلى صدرها وكأنها شعرت فجأة بالبرد، وأمسكت بالنافذة محدقة في أخوتها وهي لا تعلم لماذا امتلأ البيت هكذا، ولماذا يبكي إخوتها، ولماذا لم تعد أمها حتى الآن...
بدأت القصة عند نقطة عسكرية يقيمها الاحتلال في الشارع الرئيسي المؤدي إلى قرية حوسان قضاء بيت لحم، ويقول السكان إن هذه النقطة تجعل يوميات السكان جحيماً، لأنها مركز الاحتكاك اليومي بالمارة والشباب بإطلاق النار أو التخويف.
وهكذا مرت غادة كما يمر الجميع، ولضعف بصرها وسمعها لم تدر إلى أين تسوقها قدماها وهي تسير باتجاه الجنود الذين أطلقوا عليها النار وهم يرون بما لا يدع مجالاً للشك أنها لا ترى جيداً وأنها امرأة لا تحمل سلاحاً.
انكفأت المرأة الأربعينية على وجهها وأمسكت قدمها المصابة لدقائق، جالسة على قارعة الطريق بين الرمال وهي تطلب النجدة، وظلت هكذا حتى نزفت آخر قطرة من دمائها، فسقطت وتوقف قلبها، لأن الجنود لم يسمحوا لأي من المارة، وبينهم نساء، أن يساعد المصابة أو يقترب منها، حتى يضيّع فرصة إنقاذ حياة الأرملة الأربعينية.
نُقل جثمان غادة سريعاً قبل الغروب، وسار موكب التشييع الى المسجد بعد العصر لأداء صلاة الجنازة عليها ولتدفن في مقبرة العائلة بالقرية تاركة وراءها ستة أيتام فقدوا والدها قبل سنوات.
علي سباتين شقيق الشهيدة يقول: "أختي والدة لستة أطفال، كانت متجهة لزيارة عائلية، وفي طريق عودتها تفاجأت بوجود الجيش على النقطة يمارس هوايته في مضايقة المارة، سارت الأربعينية لكن لضعف نظرها سلكت الطريق الذي يتجه نحوهم دون أن تراهم جيداً، فهي لا ترى في إحدى عينيها وتعاني الثانية من ضعف شديد".
ويلفت: "لقد انتزعنا أختي انتزاعا من بين أنياب الجنود ونحن في المستشفى، فقد كانوا يريدون مصادرة الجثمان فبادرنا إلى دفنها بسرعة".
محمد سباتين رئيس مجلس قروي حوسان وصف واقعاً تعيشه قريته وما جاورها: "هذا الشارع الرئيسي المؤدي إلى القرية يسلكه كل السكان، وهو يربط بين ثلاثة قرى وفي منتصفه نقطة إسرائيلية تراقب المارة، فتقتل من تريد وتعتق من تريد وتشكل الخطر الأكبر على كافة قرى الريف الغربي، فكل يوم يزداد القمع الإسرائيلي.
ويضيف: "أحيانا يتلذذ جنود الاحتلال بتعذيب طالبات المدارس وتخويفهن، وأحياناً يوقفون سائقي السيارات، وفي رمضان يوقفون المصلين العائدين من المساجد".
وهكذا في لحظة تلذذ من جندي إسرائيلي وظفته حكومته خصيصا ليمارس القتل، فاستهدف هذه المرة غادة سباتين فارتقت تاركة ستة أطفال فقدوا أمهم للأبد، فماتوا قهراً، وإن عاشوا.