ست سنوات مضت على المعتقل أحمد مناصرة – 20 عاما- وهو ما زال "مش متذكر" ما جرى معه حين كان يعنفه المحقق الإسرائيلي، للاعتراف بأمور لم يرتكبها، لكن كاميرات المراقبة في المنطقة التي أصيب بها حين كان فتى عام 2015، كشفت وحشية ما تعرض له من تنكيل وضرب على يد المستوطنين حين كان ملقى على الأرض ويصرخ وهو مصاب.
الفيديو المسرب لمناصرة لحظة التحقيق معه، فضح الاحتلال الإسرائيلي الذي يدعي أنه الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط، وتحوّل الفتى إلى أيقونة حرية يتتبع الأحرار أخباره، خاصة بعدما كانت عائلته ومحاميه وحتى من رافقوه في سنوات الاعتقال يؤكدون تدهور وضعه النفسي بسبب الإهمال والتعذيب الذي يتعرض له في السجن.
رغم بلوغه سن العشرين وما عاناه من تعذيب وتنكيل، إلا أن الطفل الذي بداخله لم يكبر، بل لا يزال يبحث ويسأل عن ألعابه وتفاصيله السابقة التي نزعها الاحتلال منه. والآن بسبب وضعه الصحي والنفسي أعادت حملات إلكترونية قضيته إلى النور، في محاولة لدعمه في لدى مثوله أمام محكمة بئر السبع المركزية.
فمنذ أيام، انطلقت حملة دعم وإسناد للأسير مناصرة للمطالبة بالإفراج الفوريّ عنه، ولعل نجاح هذه الحملة أن يكون باب أمل للعديد من الأسرى الذين يواجهون المصير ذاته.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت عدة وسوم للتغريد بالدعم لأحمد ومنها "الحرية لأحمد مناصرة" باللغتين العربية والانجليزية، خاصة بعدما ساء وضعه في زنزانته التي يقضي داخلها 23 ساعة مكبل اليدين والقدمين، ويتم إخراجه ساعة واحدة "للفورة"، عدا عن أن مصلحة السجن تعطيه منوماً صباح مساء.
وحين تمكن والده من زيارته ورؤيته من وراء الزجاج، أخبره عن حملة الدعم والمناصرة له في الخارج، فرح أحمد وخرج من حزنه قليلاً كما تقول والدته.
محاولة تهويد دماغه
يقول أمجد أبو عصب رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين إن الهدف من حملة المناصرة هو فضح سياسة الاحتلال سواء أمام المجتمع الدولي أو نفسه، موضحاً أن الأسير عليه حكم جائر وهو مريض ويعيش ظروفاً حياتية صعبة في العزل وكل هذه التفاصيل عبر الحملة تعري المحتل أمام المؤسسات الدولية والحقوقية.
وذكر أبو عصب "للرسالة" أن الحملة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني لفضح الرواية الإسرائيلية وما ترتكبه ضد الأسرى في سجونها.
وعن مدى تأثير حملات المناصرة الالكترونية للأسير وعائلته، أوضح أنها تشعرهم بالطمأنينة والدعم، وأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة المحاكم الإسرائيلية، خاصة أن الحملة دولية يشارك فيه مشاهير وحقوقيون دوليون.
ويبدو واضحاً أن مصلحة السجون والسلطات الإسرائيلية يتعمدون إضعاف الروح المعنوية والنفسية للأسير مناصرة كي لا يتحول إلى أيقونة، خاصة بعدما وُثقت لحظة الاعتداء عليه وضربه وهو مصاب، وكذلك أثناء التحقيق، وكل ذلك تداوله النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعقب أبو عصب أن الاحتلال منذ اللحظة الأولى من الاعتقال أدرك حجم الشهرة والتفاعل الدولي التي اكتسبها مناصرة، فسعى لعملية تهويد دماغه في أيام اعتقاله في الإصلاحية الموجودة في الداخل المحتل، إذ أقنعوه أنه "لا نكبة ولا تهجير"، فقط "إسرائيل والمحرقة" وسربوا تلك الأفكار المسمومة له عبر أخصائيين اجتماعيين ومشرفين سلوكيين تقربوا منه كثيراً إلى أن وثق بهم.
وأوضح أنه حين بلغ مناصرة عمر الرابعة عشرة ونُقل إلى سجن مجدو، كان يردد تلك الأفكار على زملائه الذين دعموه وثبتوا المفاهيم الوطنية في عقله.
يذكر أن مناصرة من مواليد القدس 2002، وعائلته تتكون من عشرة أفراد، له شقيقان وهو أكبر الذكور في عائلته، بالإضافة إلى خمس شقيقات، وكان وقت اعتقاله عام 2015 طالبًا في مدرسة الجيل الجديد في القدس، في الصف الثامن.
وأصدرت محكمة الاحتلال بعد عدة جلسات حُكمًا بالسّجن الفعلي بحقّ أحمد لمدة 12 عامًا وبتعويض قيمته 180 ألف شيقل، لكنها خفضت الحكم إلى تسع سنوات ونصف عام 2017.
قصة أحمد لم تبدأ منذ لحظة الاعتقال فقط، فهو كالمئات من أطفال القدس الذين يواجهون عنف الاحتلال اليوميّ، بما فيه من عمليات اعتقال كثيفة ومتكررة، إذ تشهد القدس أعلى نسبة في عمليات الاعتقال بين صفوف الأطفال والقاصرين.
في عام 2015، ومع بداية "الهبة الشعبية" تصاعدت عمليات الاعتقال بحقّ الأطفال تحديدًا في القدس، ورافقت ذلك عمليات تنكيل وتعذيب ممنهجة، وكان أحمد جزءًا من مئات الأطفال المقدسيين الذين يواجهون هذا المصير.