إن فاجأك أحدهم أنك في اليوم العاشر من شهر رمضان دون أن تعلم أصلاً أنه حل عليك، عن طريق زيارة من زوجتك وأمك بعد انقطاع إجباري، إذن أنت أسير في سجون الاحتلال. لا يوجد على ظهر البسيطة من يحرم أسرى الحرية من تأدية عباداتهم سوى نكرة تسمى" إسرائيل".
ربيع أبو نواس، أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2019، عُزل عاماً ونصف العام بتهمة محاولة طعن أحد السجانين، ومنذ ذلك الوقت حرمه الاحتلال لقاء عائلته، أو مغادرة زنزانته.
وبالطبع، حسب قوانين الغاب، لم يسمح له الاحتلال بمشاهدة شروق الشمس، ولا بزوغ القمر، ولا سماع صوت أحد زملاء الأسر ليعرف أين هو، أو أن يتمكن من معرفة شهره من يومه، فلا يسمح له، على الأقل، أن يشعر أنه على قيد الحياة، وأقل القليل أن يسمح له بعبادة الله.
الأسير أبو نواس، من بلدة سنجل في رام الله، متزوج وأب لثلاث طفلات، وبعد ادّعاء إدارة السّجون أنّه ضرب أحد السّجانين، حُكم عليه بالسّجن 16 عامًا، وها هو رمضان يحل دون أن يتمكن من صيامه، لأنه ببساطة لم يعرف بأنه قد حل، ولم يخبره أحد بذلك.
الأسير سعيد بشارات يؤكد للرسالة أنه لا غرابة في أن يحصل هذا في سجون الاحتلال، وتساءل في حديثه مع الرسالة: "لماذا الاستغراب؟ فالعزل يقطع الأسير عن العالم كله، وهو لا يمتلك ساعة، ولا يرى شروق الشمس، ولا غروبها، وبالتالي فلن يعرف أن شهر رمضان قد أتى.
أما بالنسبة للأسرى غير المعزولين، يلفت بشارات إلى أنه لم يكن من المسموح لكل الأسرى أن يصلوا صلاة التراويح جماعة، وكل غرفة فيها 6-7 أسرى يضطرون لإقامة صلاة جمعة منفصلة.
ويؤكد أن قضاء شهر رمضان بتفاصيله الدينية والاجتماعية وحتى بأكلاته اليومية كان أحد التحديات التي يواجهها الأسرى داخل المعتقلات.
خذ مثلاً حلوى القطايف، فقد أعادوا صناعتها بطعم ومذاق مختلف بطرق مختلفة من إمكانيات لا تشبه الحقيقة في شيء، ولكنها في النهاية صُنعت وزرعت فرحة – على قلتها- في قلب كل أسير حرمه الأسر من مشاركة عائلته.
ولقد كان للرفقة الطيبة أهميتها داخل الزنزانة، فيتذكر بشارات الأسير زكريا أبو سنينة وهو رجل سبعيني مثقف، كان إمامهم في صلاة التراويح، وكان صاحب دعابة، فجعلت صحبته ليالي الأسر ضحكاً ومزاحاً وثقافة وقراءة للقرآن فكان ذلك الرمضان لا يُنسى.
وأخبرنا بشارات كيف حرم الاعتقال الأسرى أحياناً من الصوم، فأثناء نقل الأسير من معتقله إلى المحكمة لحضور جلسته التي تصادف أن تكون في شهر رمضان، فحجز داخل "البوسطة" وهي زنزانة متحركة من الحديد ويجلس في داخلها على مقعد من الحديد لعشرين ساعة أو أكثر، دون أن يتمكن من أداء الصلاة أو الصيام.
وإن تمكن الأسير من الصوم فإن السجان يجعل حياته عذاباً، فيحرمه من الإفطار أو السحور في موعده، لأن تقديم الطعام يتم تبعاً لمزاجية السجان، وكذلك الأمر في البوسطة، التي ينقل فيها الأسير خلال الشهر أربع أو خمس مرات في عذاب وانتظار مؤلم ولساعات طوال، ليتحكم السجان فيها بموعد طعامه وشرابه.
ويختم بشارات بالقول إن الأسرى يتمكنون من فرض جمال رمضان، رغم محاولات السجان قتل فرحته ومنع شرائعه، إلا أنه يبقى ناقصاً ومؤلماً جداً، لأن في كل زنزانة أسير ينتظر الفرج ليعيش الشهر الفضيل مع أحبته حراً.