قبيل غروب الشمس وحلول وقت الإفطار، تتحول باحات المسجد الأقصى المبارك إلى "ساحة تخييم" ترحّب بضيوفها الزائرين ممن عقدوا العزم على إحياء سنة الاعتكاف في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان.
في غضون ساعات قليلة، تنتصب العشرات من الخيام لتنثر ألوانها الزاهية في باحات المسجد وتثير بهجة غامرة في نفوس الحاضرين تبدو واضحة في نفوسهم وتقاسيم وجوهم.
وتعاظمت قيمة الخيم الرمضانية هذا العام مع حرص آلاف الفلسطينيين على الاعتكاف في المسجد الأقصى للتصدي لمحاولات المستوطنين المساس بالمسجد المبارك وإعلان نيتهم الصريحة ذبح "القرابين" في المسجد.
رباط واعتكاف
ولا تقتصر مهمة الخيم على تناول وجبات الإفطار والسحور، بل تستجلب معها حلقات التسبيح والذكر وترديد الأناشيد والابتهالات الدينية التي تزينها كثرة الصلاة على النبي محمد، تنطلق عبر حناجر فردية أو جماعية.
وتستقطب هذه الخيم المئات من الشبان من القدس وسكان الأراضي المحتلة عام 1948، ويحرص كثير منهم على اصطحاب عائلته أو أصدقائه ليشد بعضم من أزر بعض في مهمة الرباط ونيل أجر الاعتكاف.
الشاب أمير بدر من الداخل الفلسطيني واحد من هؤلاء. فقد فضل كسب الأجر والثواب لقاء رباطه في المسجد على تحقيق الأرباح المادية من وراء مطعم تركه خلفه.
ويعبر بدر عن سعادته الغامرة بالوصول إلى المسجد الأقصى رغم إصابته، قائلا: "من ذاق عرف، ومن عرف اعتكف".
ويضيف أن من لم يزر الأقصى فقد فاته الكثير، حينما يكتشف أن زيارة المكان تثير الراحة في النفس.
ويقول: "تشعر أن روحك تنتمي إلى هذه المنطقة. كانت لدي القدرة على أن افتتح مطعمي في هذه الأوقات لكن فضلت الاعتكاف لأجل هذه الأجواء".
وينصح بدر غيره بالقدوم إلى المكان وتذوق حلاوة الاعتكاف، مشددا على أن المسجد الأقصى عقيدة قبل أن يكون شيئا وطنيا أو معلما تاريخيا.
بصمة ووجود
فيما يشدد الناشط الفلسطيني من الداخل المحتل، إبراهيم خليل، على أهمية الحضور الفردي والجماعي للرباط في باحات المسجد الأقصى.
وأكد خليل أهمية الخيم الرمضانية ومشاركة العائلات فيها بل واصطحاب الأطفال لتعزيز ارتباطهم بالمسجد المبارك.
ويقول إن الاعتكاف في المسجد من ضرورات المرحلة التي تؤدي إلى غرس الارتباط في المكان.
فيما تقول المرابطة خديجة خويص إن شرف الرِّباط لا يقتصر على الرجال، بل طالما زاحمت النساء على هذا الشرف، وسارعنَ ليكون لهنّ في ساحاته بصمة ووجود.
وأضافت خويص، أن "خيم الاعتكاف للنساء، نعيمٌ يتمنّاهُ كلّ محروم، فأنعم وأكرم بنساءٍ وصلنَ الليل بالنهارِ في أقصاهنّ مرابطات معتكفات".
يشار إلى أن أجهزة أمن الاحتلال (الإسرائيلي) تراقب عن كثب وبحالة من القلق النشاط البارز للمرابطات في المسجد الأقصى المبارك، خصوصا عقب دعوات المستوطنين الأخيرة لذبح "القرابين" في باحات المسجد.
وبرز دور المرابطات بشكل لافت خلال ما يسمى "عيد الفصح العبري"، حيث يلزمن الصلاة في المسجد بالمئات ويشاركن في حلق الذكر والتسبيح وقراءة القرآن، بل ويتقاسمن مهمة التصدي للمستوطنين مع آلاف المرابطين بأساليب متنوعة.
ولا يقتصر الأمر على مشاركة المرابطين في التصدي لاقتحامات المستوطنين، بل والقيام بتحضير وجبات الإفطار لهم عند المغرب بعد صيام يوم طويل حافل بالجهاد والرباط.
وتقول المرابطة هنادي حلواني، إن المرابطات يقمن بإعداد وجبات الإفطار للمرابطين الذين يوصلون الليل بالنهار "دفاعاً عن شرف أمة بأسرها". وأضافت حلواني: "على طريق المجاهدين نكملُ ما بدأناه من رباط ومراغمة وجهاد، وإنا للنصر بإذن الله ثابتون".