قائمة الموقع

كيف تغلبت حماس على أجهزة أمن العدو في إدارة معركة القدس؟

2022-04-30T16:18:00+03:00
photo1651323271.jpeg
الرسالة نت

محمود مرداوي 

تزخر وسائل إعلام العدو في التحليلات ومقالات لكتّاب الأعمدة والمحللين العسكريين في أبرز الصحف الصهيونية، عن المواجهة في المسجد الأقصى ومدينة القدس، وكيف أن أداء حماس السياسي والعسكري فيها تميز بإدارة محكمة ضمن استراتيجية تعدد الجبهات واستنزاف العدو بتشتيت قواته حتى أن الدكتور “ميخائيل مليشتاين” الباحث في الدراسات الفلسطينية في جامعة “تل أبيب” وصف ما تقوم به حماس “الحرب بين الحروب”.

لقد حدث نقلة نوعية في تفكير حماس الاستراتيجي خاصة مع امتلاك العدو الصهيوني أدوات السيطرة والتحكم العالمية التي تمنحه القدرة على التحكم في النتائج السياسية للحروب الكبرى، وما حصل في الحروب الـ 4 التي خاضتها غزة، هو نصر أداء عسكري مميز من المقاومة، بينما سعت المنظومة الدولية والإقليمية المتحالفة مع دولة الكيان نحو حرمان المقاومة من النتائج السياسية.

 

كان لابد لقيادة المقاومة وحركة حماس اجتراح شكل جديد من المواجهة تكون الحروب آخر مرحلة فيها، والعمل على إنضاج البيئة في حرب استنزاف تشترك فيها الجبهات الفلسطينية كافة بصورة متكاملة، فمعركة التحرير لن تقوم على مساحة جغرافية دون أخرى، فغزة حققت قدرتها على تحقيق قدرة دفاعية في المواجهة مع العدو، كما أنها طورت أدواتها الهجومية خاصة في مجال الصواريخ والأنفاق.

لكن القدرات الهجومية التي تطورت لغزة تحتاج لدعم وإسناد من جبهات الفلسطينيين التي تعاني ظلم الاحتلال ونتائج احتلاله واستعماره البغيض، فالاستيطان في الضفة سيطر على أكثر من 60% من أراضيها، والمستوطنون أصبحوا دولة تحميها مليشيات مسلحة تحاول إرهاب الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم، وقد تفننوا في إطلاق المسميات على تنظيماتهم الإرهابية في الضفة مثل مجموعات تدفيع الثمن، وشبيبة التلال، وغيرها من المجموعات الاستيطانية التي تحمل برنامجاً واحد وهدفاً واحد وهو السيطرة على الأرض وتهويد الضفة الغربية.

 

لقد استهدف العدو مكونات المجتمع الفلسطيني في داخل فلسطين بصورة شمولية، فحاصر غزة وجوعها، وفرض على الضفة السكوت على الاستيطان والتهويد حتى وصل لقلب المدن مثل البناء في قلب مدينة الخليل والسيطرة على قبر يوسف والسيطرة على الأراضي في محيط نابلس.

كما أغرق مجتمع الداخل الفلسطيني بالجريمة المنظمة التي أصبحت كابوسا يلاحق الفلسطينيين هناك، من أجل دفعهم نحو الإذعان لأجهزته الأمنية والهجرة لأماكن أخرى في محاولة منه لمعالجة القلق الديموغرافي الذي أصبح الاحتلال يتحدث عنه بشكل مستمر.

لقد جاءت العمليات الأخيرة هي نتاج ثورة الوعي التي أدارتها حماس في الساحة الفلسطينية، والتي ركزت على مخاطبة العقل الجمعي للفلسطينيين وصياغة رؤية لهمومهم المشتركة، وأهمية الصراع واستمرار جذوته في مواجهة محاولة الهيمنة الصهيونية.

كما ركزت حماس على الدور الفردي والجماعي في “ثورة الوعي” فالدافعية نحو العودة للهدف الأصيل للفلسطينيين حاول الاحتلال قتلها في أوقات سابقة عبر عمليات مبرمجة بدأت منذ العام 2007 في خطوات السلام الاقتصادي ودفع الفلسطينيين نحو التحول في الأولويات من التحرير والدفاع عن الهوية الوطنية إلى الاهتمام بالشؤون المعيشية وكيفية الحفاظ على المكتسبات المادية، كما قام الاحتلال بتصميم قيادة تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية وتقوم بالترويج لها داخل المجتمع الفلسطيني.

لقد اصطدم الوعي الفلسطيني وخاصة في الضفة بعدة مراحل أعادت له جذوته، أهمها خطورة الجماعات اليهودية في الضفة والتي نفذت عمليات حرق المساجد والطفل أبو خضير وعائلة دوابشة، وقد كانت عصابات تدفيع الثمن تهدف لترويع الفلسطينيين وإفقادهم الأمن الفردي في الضفة الغربية مستغلين حالة التنسيق الأمني.

لكن الشعب الفلسطيني وحركة حماس كان ردها مختلفا بإطلاق “هبة القدس” والتي حملت منذ انطلاقها موجات من العمل المقاوم الشعبي والمنظم فبدأت بعملية ايتمار التي نفذتها خلية نابلس القسامية، مروراً بعمليات الطعن وعمليات إطلاق النار التي نفذت في قلب “تل أبيب” وصولاً للخلايا العسكرية التي شكلتها حماس مثل خلية الشهيد محمد الفقيه وخلية عاصم البرغوثي والقسامي أشرف نعالوة وأحمد جرار.

وعمليات إطلاق النار التي نفذها أبناء حماس مثل الشهيد مصباح أبو صبيح والشهيد الشيخ فادي أبو شخيدم، وغيرهم من أبناء حماس الذين تقدموا الصفوف على مدار الموجات وهو ما جعل الاستراتيجية الحمساوية تتطور نحو حرب استنزاف تحمل عدة أهداف أهمها منع المشروع الاستيطاني من السيطرة والتقدم وإشغال جيش العدو وأجهزته الأمنية وحماية المسجد الأقصى الذي تجرأت ما يعرف بجماعات الهيكل الحديث العلني عن تهويده والسيطرة عليه وتطورت الأمور في تغيير الواقع فيه نحو السماح للجماعات اليهودية بالصلاة الصامتة في داخله.

تعتبر استراتيجية الحرب بين الحروب هي أحد أوجه المعارك التي تعتمد على الصراع الأمني والعسكري، وصراع العقول الذي تدار فيه المواجهة بدقة نحو تحقيق أهداف مرحلية وتكتيكية، فما حصل في شهر رمضان الحالي لا يمكن فصله عن معركة “سيف القدس”، وامتداداتها في ثورة الوعي، لقد عانى الفلسطينيون من غياب الظهير المرتبط بهويتهم الوطنية وصراعهم مع الاحتلال، ولأول مرة يكون للفلسطينيين يمتلكون قرارها تكون ظهيرا لهم في معاركهم مع الاحتلال داخل فلسطين المحتلة.

 

إن الثقل الاستراتيجي الذي شكلته غزة في معادلة الصراع ظهر بشكل جلي في إفشالها في لصفقة القرن ومشروع الضم، وبعدها في معارك الأسرى التي كانت تتم الاتفاقات فيها على وقع صواريخ غزة، ومعركة سيف القدس التي حملت معالم الاستراتيجية الجديدة بربط القدس وهو نجاح يحسب لحركة حماس، بعد أن أصبحت القدس وبيوتها وأهلها لقمة سائغة لمشروع التهويد.

ومع استراتيجية الحرب بين الحروب تعيش أجهزة أمن العدو هواجس عدة، أهمها جرأة المنفذين وقدرتهم على استخدام السلاح واختيار الأهداف في قلب مدينة “تل أبيب” وما يحمله من رسائل سياسية، والعمليات ضد المستوطنين في الضفة، وهو ما جعل المحللين العسكريين يتساءلون عن الفشل الذريع لأجهزتهم الأمنية، وكيف تقع العمليات في ذروة الاستنفار الأمني والعسكري واستدعاء قوات الاحتياط وقوات النخبة للضفة، ولكن النتيجة أن عملية آرائيل وقعت من نقطة صفر في قلب مقر قيادة العدو في الضفة الغربية في مستوطنة آرائيل.

إن الحروب يتم الذهاب لها إما لتحقيق أهداف سياسية أو منع العدو من تحقيق هزيمة معنوية أو مادية للشعب الفلسطيني، وهو ما قامت به المقاومة في غزة في حروبها فهي منعت أي هزيمة معنوية أو مادية للشعب الفلسطيني في قضيته، واليوم تنتقل لمرحلة تحقيق الأهداف السياسية، وهو ما يحتاج لإنضاج الظروف الميدانية والموضوعية في جبهات متعددة يكون لها دور مساند أو موازي أو مكافئ لغزة في الحروب القادمة، فمعركة التحرير لن تكون من جبهة واحدة، واليوم الضفة ومقاومتها ونهضتها ومواجهتها الممتدة منذ سنة تشترك مع المقاومة في غزة في الفعل والتوجه والأهداف السياسية، وهي تحرير الأرض وحماية المقدسات، والإفراج عن الأسرى وعودة اللاجئين.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00