منذ بداية العام، وعلى مدار خمسة أشهر، تشهد قرية السيلة الحارثية اقتحامات متتالية كل ليلة، وعائلة جردات بالذات هي التي تدفع الثمن الأكبر، حيث تعيش هاجس القلق كل ليلة من أي اقتحام لتنفيذ قرار مفاجيء بالهدم، على خلفية عملية حومش التي نفذها غيث وعمر جرادات مع نهاية العام الماضي، وأسفرت عن مقتل مستوطن، وكأن الاحتلال يريد تدفيع العائلة كلها الثمن.
ورغم الفعاليات التي قام بها أهالي القرية تضامناً مع عائلة جرادات، إلا أن الاحتلال واصل عملية الهدم، وكان الهدف منزل الأسير عمر جرادات المكون من ثلاثة طوابق.
بدأت سلسلة الهدم في 14 فبراير/شباط الماضي، حينما فجّرت قوات الاحتلال منزل الأسير محمود جرادات أحد منفذي العملية، وسبقه هدم منزلين آخرين للعائلة، إلى أن جاء دور منزل الأسير عمر.
شهد صباح ذلك اليوم اشتباكات مسلحة بين جنود الاحتلال والمقاومين الذي تصدوا لعملية الاقتحام، وأسفرت عن ارتقاء شهيد وإصابة 11 مواطناً.
سلطات الاحتلال طلبت من العائلة إخلاءً كاملاً للعمارة السكنية المكونة من ثلاثة طوابق، ويعيش فيها والد الأسير عمر ووالدته بالإضافة إلى 16 فردا من أفراد العائلة. أخلى السكان العمارة بالكامل قبل أكثر من أسبوع. ورغم أن الأسير ناشد المؤسسات الحقوقية كافة بالتدخل لمنع قرار الهدم، إلا أن الجنود جاءوا بجرافاتهم وفجروا المنزل صباح أمس السبت.
تفاجأ والد غيث بالجيش وهو يهجم على المنزل بهمجية، فاقتحموا منزل عمر، ثم انتشروا على الأسطح وبين الحقول المجاورة، والعائلة باتت مشتتة ولديها ابن مريض لم يبلغ الخامسة عشر. يقول والد الأسرى بنبرة تحدٍ ممزوجة بخوف على مصير عائلته: "سأبقى على أنقاض منزلي، لا مشكلة لدي لو عشت في العراء لكن العائلة تشتتت ولدي ابن مريض".
يضيف الأب بألم واستنكار: "لماذا يخربون أثاث المنزل؟! أريد أن أدخل وآخذ ما يلزمني، لكن جنود الاحتلال خربوا كل شيء داخل البيت، حتى البلاط قلعوه قبل الهدم، وزرعوا متفجرات وفجروا المنزل".
تحدثت الرسالة نت مع إبراهيم جرادات قريب عمر وغيث فأخبرنا أن الاحتلال هدم خمسة من بيوت عائلة جرادات: منزله ومنزل والده ومنزل عمر وغيث ووالدهما وبيتاً آخر لأحد الأقارب، وكل ذلك على خلفية عملية حومش، ولا زلنا نتوقع المزيد، وكأن الجنود يحاولون أن يصبوا لعنة غضبهم على الحجارة".
ويقدر إبراهيم جرادات الخسارة التي تكبدها ووالده بعد هدم بيتيهما بحوالي 450 ألف شيكل، وما لا يقل عن 170 ألف شيكل لكل بيت من البيوت الباقية، ليصل مجموع خسائر الهدم الذي لم ينته بعد، إلى مليون شيكل، مضيفاً أن جريمة الهدم شردت أكثر من ثلاثين شخصاً.
المحلل والصحافي علاء الريماوي كان شاهداً على هدم منزل عائلة جرادات، ويقول للرسالة: "عائلة جرادات صامدة وصابرة وقد قرأت على وجه أبو غيث كل علامات التحدي والصبر وهكذا كل أهالي بلدة السيلة الحارثية وكل القرى التابعة لجنين.
ويلفت الريماوي إلى أن من لم يهدم منزله من العائلة فقد تضرر وتضررت معه أحلام عدد كبير من أفراد العائلة، فالاحتلال يريد أن ينهي الحياة المدنية لأصحاب هذه البيوت وأن ينتقم منهم، ولكنهم على أي حال مصرون على الحياة والبناء، على حد تعبير الريماوي.
يشبّه الريماوي جنين بغزة الصغرى التي لا تنحني أبداً، وكلما داهمها الاحتلال أكثر خرج شبابها لتحدي جرافاته وفاجأوه كل يوم ببطولة جديدة، هو يهدم، وهم يعاودون البناء، هو يحاصرهم، فيخرجون من قلب الحجارة والردم ليضبطوا معادلة المقاومة الخاصة بهم.
وكان جيش الاحتلال اعتقل الشابين عمر وغيث جرادات، فجر الأحد 19 ديسمبر 2021، بزعم الاشتباه بتنفيذهما عملية إطلاق النار قرب مستوطنة حومش شمال مدينة نابلس بالضفة الغربية يوم الخميس 16 ديسمبر 2021.