قائمة الموقع

والدة الأسير كريم يونس.. الاحتلال يغتال أربعين عاماً من الأمل

2022-05-08T21:20:00+03:00
والدة الأسير كريم يونس
الرسالة نت-رشا فرحات

لقد مل الوقت ذاته من الانتظار!  ولم يعد قادراً على أن يعطي أم كريم يونس مزيداً من الصبر الذي قد يضيق بأصحابه أحياناً، فيترك للموت فرصته ليريح كل لحظات العجز التي عاشها ابن أسير وأم صابرة على مر السنوات الطويلة، لكن قلبها لم يتحمل.

توفيت قبل يومين والدة الأسير كريم يونس، عميد الأسرى، الحاجة صبحية يونس، التي يعرفها كل فلسطيني، من داخل المعتقلات وخارجها، من القدس وفلسطينيي الداخل المحتل، من قطاع غزة ومن الضفة الغربية، إذ كانوا يعدون معها الأيام ليلة وراء أخرى، لعل خبراً يأتي من زنزانة يونس، يبرد نار قلب الأم التي طرق بابها كل أسير تحرر ليحمل رسالة صبر من كريم، على مدار أربعين عاماً.

لكن كريم بقي أسيراً في سجون الاحتلال ثم غابت نكبته من ذاكرة من وقعوا اتفاقيات السلام.

منذ عام 1983 وأم كريم تنتظر، أياماً طويلة أخذت من أقدامها وقوتها ما أخذت، وحفرت شقوق الشيخوخة في وجه ابنها فتعمقت، وبدأ الشيب ينسلّ إلى شعره رويداً رويداً منذ اعتقل وهو ابن العشرين، حتى بلغ الستين.

إنه أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، وهي أم أقدم أسير فلسطيني، والوقت يمضي، والموت لم يكن رفيقاً حنونا لينتظر خروج أسيرٍ لم تنجح المفاوضات الكثيرة كلها في الإفراج عنه.

نديم يونس شقيق كريم يقول في مقابلة مع الرسالة خلال العيد وقبل رحيل أمه: "قضى أخي ثمانين عيداً في الأسر.. لكن السجن لن يغلق أبوابه للأبد، سيخرج كريم يوماً رغم كل شيء، لقد كان لدى أخي أمل بالخروج مبكراً لمشاهدة أمي. لقد خرج أجيالاً من السجون، وهو معلم لكثير من الأسرى المفرج عنهم".

يتابع نديم حديثه مع الرسالة لكن بعد رحيل والدته: "ودع شقيقي والدنا قبل ذلك وها هو اليوم يودع أمه من زنزانته البعيدة، لقد كانت مريضة وتعاني وضعا صحياً حرجاً، حاولنا أن نخفيه عن كريم، ولكن الخبر وصله، بعد أن فشلت كل محاولات الأطباء، لكن مشيئة الله كانت سابقة، وحكمته وتقديره سبق كل شيء".

ويصف نديم لوعة والدته قبل رحيلها: "لقد كانت أمي دائماً قوية، صابرة منتظرة، ولم تكن تتوقع ولا يخطر في بالها أن تموت دون فرحتها بحريته، كانت تقول أريد أن أرجع من المستشفى وأصبر وأتحمل حتى يأتي كريم، وكانت تشاركه كل تفاصيل يوم الإفراج، كانت تحدث نفسها بصوت مسموع: "كم ذبيحة ستذبح؟ كم سيارة سترافقها إلى بوابة المعتقل بعد الإفراج عنه؟ كيف ستحتضن كريم؟ لكن قدر الله كان الأسبق".

كريم يونس هو ابن الاعتقالات، كما وصفه رئيس هيئة شؤون الأسرى، قدري أبو بكر، الذي حمّل سياسة الاحتلال العنصرية مسؤولية حرمان يونس من الحرية ورؤية والدته قبل وفاتها".

يقول أبو بكر: "لا نريد أن ننسى أن حكومات الاحتلال المتعاقبة قالت للأسرى القدامى" يجب أن يكون هؤلاء تحت التراب، لافتاً إلى أن الاحتلال أدخل مشروع قرار (للكنيست) يمنع مجرد طرح فكرة الإفراج عنهم. 

وأضاف: "يحتجزونهم وهم على فراش المرض حتى في لحظات حياتهم الأخيرة، ويرفضون الإفراج عنهم، ثم يحتجزون جثامينهم لو ماتوا حتى تنتهي فترة الحكم".

قد لا يستطيع العقل أن يتحمل فكرة اعتقال شخص أربعين عاماً، لكن هذا حدث.. بدأ مبكراً وقبل أي شيء، قبل أوسلو، وقبل الأحزاب السياسية، ما قبل التكنولوجيا، وقبل الجدران الإسمنتية، أسير من زمن الزيت والزيتون، أسير كان من المفترض أن يكون واحداً من أسرى سيفرج عنهم وفق التفاهمات بين السلطة والاحتلال.

وتابع: "كانت تقضي التفاهمات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات اوسلو، لكن حكومة الاحتلال نقضت عهدها كعادتها حينما أتى دور الإفراج عن الدفعة الرابعة التي كانت تتضمن 30 أسيراً منهم 14 من أسرى الداخل المحتل وهم الأقدم، وكان كريم واحداً منهم.

ساوم الاحتلال كريم يونس على حريته كثيراً، وكان بإمكانه أن يخرج مبكراً أكثر، أن يسرق حريته قبل عشرين عاماً، مقابل الاعتراف بيهودية (إسرائيل) وبشرعية المستوطنات وغيرها من المواقف التي رفضها الأسرى.

لكن كان رد يونس حاسماً: "أنا مستعد أن أقضي مائة عام أخرى في السجون، وأرفض أن أستخدم وسيلة ضغط سياسي على حساب الحقوق الأساسية والثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني".

وفي الجانب الآخر، كانت هناك أم تنتظر.. لن يغيب عن ذاكرة الحاجة صبحية يونس ذلك اليوم الذي اعتقل فيه ابنها، الطالب في جامعة "بن غوريون، في بئر السبع" فمنذ تلك اللحظة أصبح العمر مرهوناً، والسعادة مرهونة، وكل صورة معلقة على جدران البيت مرهونة، كل الحياة مرهونة بالانتظار، انتظار الأمير الصغير، الذي أصبح كهلاً في سجون الاحتلال.

انتهت قصة أم كريم يونس بوفاتها يوم الخميس الماضي، ولكن لكريم قصة بداية جديدة موعدها الخامس من يناير العام المقبل، حينها سيفرج عنه وقد تجاوز الخامسة والستين، بشعر أبيض، لكنها حرية مكللة برأس مرفوع، لم ينحن يوما لسجانه.

اخبار ذات صلة