معركة سيف القدس التي دارت رحاها في مايو العام الماضي وما سبقها من أحداث وعمليات بطولية أدت لالتحام المدن الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها في مواجهة المحتل الإسرائيلي، دفاعا عن الأقصى حين حاول جنود الاحتلال تدنيسه وتهجير المقدسيين من أحيائهم.
عوامل سياسية متراكمة أدت لانفجار الأوضاع في الأرض الفلسطينية، منها مقاومة فلسطينيي الداخل لعمليات التهجير والتضييق التي حاولت سلطات الاحتلال فرضها عليهم منذ سنوات، عدا عن تفجير الأوضاع في قطاع غزة وكانت "سيف القدس" التي غيرت المعادلة السياسية على الساحة الفلسطينية.
وما كان لافتا أن الهبة الأخيرة التي جرت في الداخل المحتل تزامنت مع معركة سيف القدس في غزة والاحتجاجات والاشتباكات في الضفة الغربية والقدس المحتلة، لتعّبر عن الحالة الفلسطينية بشكل عام، وما وصلت إليه من ترابط في الجبهات والتكامل في الهدف.
وتوالت حالات اشتباك فلسطينيي الداخل مع سلطات الاحتلال لرفضهم كل السياسات التي يحاول أن يفرضها عليهم لمحو هويتهم الفلسطينية واشغالهم بقضايا بعيدة عن قضيتهم الأساسية، لكن الواضح هو أن المواطنين هناك لم تكن هبتهم لفترة بل توالت وبقيت حتى 2022 فثار الشباب بعمليات فدائية، وشدوا الرحال للدفاع عن الأقصى، وباتوا بالمرصاد للانتهاكات الإسرائيلية.
في دراسة للمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بعنوان "فلسطينيو الداخل 1948 وهبة سيف القدس" جاء فيها: "وإذا كانت الشرارة التي تحرك بعدها فلسطينيو الـ 48 بشكل مكثف وممنهج ترتبط بشكل مباشر بالأحداث في القدس المحتلة، والعدوان على غزة، فإن خلفيات التحرك ترتبط بعوامل عديدة سبقت ّذلك، وسعت بشكل غير مسبوق وفي أيام عديدة لتوسيع الهوة بين الفلسطينيين في الداخل المحتل وبين المؤسسات السياسية والأمنية لدى كيان الاحتلال.
سياسات الأسرلة
وفي الوقت ذاته أظهرت حالة يبنى عليها مستقبلا ليس فقط في العلاقة بين فلسطينيي الداخل وكيان الاحتلال بل في مفهوم الصراع ككل، لما لها من تأثير كبير عبّرت عنه المستويات الأمنية والسياسية الإسرائيلية وعدته خطرا وجوديا على مفهوم "الدولة" الذي تحاول "إسرائيل" ترسيخه وتثبيته.
ووفق ما جاء في الدراسة فإنه بعد أكثر من 73 عاما ورغم سياسات الاحتلال خرج إلى العلن فلسطينيون يرفعون العلم الفلسطيني في مدن وبلدات أراضي الـ 48 مؤكدين على هويتهم الفلسطينية العربية التي تتعامل مع "إسرائيل" كواقع يجب تغييره لا الاستسلام له.
يقول المختص في الشأن السياسي حسن لافي، إن اشتراك فلسطينيي الداخل في المواجهة أثناء معركة "سيف القدس" أعاد تذكير من حاول تناسيهم بأنهم جزء من الشعب الفلسطيني، وأن قضيتهم نشأت تاريخيا كجزء من قضية فلسطين، وأن كل سياسات الأسرلة الاستيطانية ذات الأهداف الإحلالية للهوية الوطنية لفلسطينيي الداخل باءت بالفشل.
وأضاف: كما باءت بالفشل محاولات المشروع الصهيوني دمجهم فيه، من خلال سياساته الاستعمارية الساعية إلى محو فلسطينيتهم، بغية إلحاقهم بكيانه كمجرد أفراد، يتحولون فيه إلى أفراد يبحثون عن خلاصهم الذاتي في ظل رياح النيوليبرالية التي تدفع الفرد إلى البحث عن مصلحته الشخصية فقط، بعيدا من الهوية الجماعية الفلسطينية".
وكما ذكر "للرسالة نت" أن صورة فلسطينيي الداخل التي تصدرت المشهد خلال معركة سيف القدس وحتى الأحداث الأخيرة أفزعت سلطات الاحتلال، موضحا أن المفاجأة الكبرى للاحتلال كانت دخول فلسطيني الداخل مسار معركة سيف القدس.
وأوضح لافي أن التظاهرات التي قاموا بها شكلت حالة من الصدمة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية، التي استشعرت فشل استراتيجية تذويب فلسطينيي الداخل كأقلية قومية ذات هوية فلسطينية جماعية.
وذكر أن الثقة التي حاز عليها فلسطينيو الداخل من الكل الفلسطيني خلال تصديهم لانتهاكات الاحتلال ودعمهم للأقصى منحتهم دفعة قوية للاستمرار في نضالهم حتى 2022.
ووفق قوله، فإن المواجهات التي وقعت بين فلسطينيي الداخل و(إسرائيل) أثناء معركة "سيف القدس" أعادت القضية إلى مربع النكبة والتهجير وملكية الأرض وغيرها من القضايا ذات العلاقة بصاحب الأرض الفعلي في فلسطين، وبالتالي هو إعلان حقيقي وواضح بفشل سياسات الأسرلة والاستيطان الإسرائيلي على مدار 73 عاماً من الاحتلال.
وفي السياق ذاته يقول خالد زبارقة المختص في الشأن الإسرائيلي إن سلطات الاحتلال تعاملت مع فلسطينيي الداخل كالسيد مع عبيده تماما كما أمريكا والهنود الحمر، موضحا أن (إسرائيل) سعت لسلب فلسطينيي الداخل حقوقهم الأساسية والوطنية التي يسعون للمحافظة عليها لكن الهبات السلمية أفشلت مخططاتها.
وذكر زبارقة "للرسالة نت" أن ما جرى العام الماضي والحالي من هبات، كان بسبب الاعتداءات المتكررة على الأقصى التي مست مشاعرهم الدينية والإنسانية والوطنية، وكذلك الاعتداءات على النقب، مشيرا إلى أن كل تلك الانتهاكات اثارت حفيظة فلسطينيي الداخل فخرجوا لمواجهة المحتل.
ولفت إلى أن المعاملة العنصرية التي تعرض لها فلسطينيو الداخل سواء عن طريق المليشيات اليهودية المسلحة، أو تجاهل مشاعرهم القومية والدينية والوطنية، أعطاهم الشرعية ليكونوا في موقف المدافع عن نفسه وفق التحركات الجماهيرية الشعبية التي انفجرت بعد حالة الاحتقان المتراكمة.
خلاصة القول، فشلت (إسرائيل) في إشراك فلسطينيي الداخل على التعايش مع المشروع الصهيوني.