بين الفينة والأخرى، يبرز اسم مخيم جنين ومدينته (شمالي الضفة الغربية) إلى الواجهة بوصفها جبهة عصية على الاحتلال خلال المواجهات والسجالات.
هذه المدينة التي يقطنها 40 ألف نسمة تُعَدُّ أكبر مدن المثلث الواقع بين جنين ونابلس وطولكرم، وهي تحتضن المخيم
الذي أُنشئ لإيواء مهجري النكبة عام 1948 ممَّن استولت (إسرائيل) على منازلهم بعد طردهم.
حاضنة شعبية
ـ عام 1799: لم يتردد سكان جنين -الواقعة عند سفح تلال جبل النار "نابلس"- في حرق بساتين الزيتون التي يقتاتون منها بُغية وقف زحف القوات الفرنسية على أراضيهم بقيادة نابليون بونابرت، فأتى الرد الفرنسي على مقاومة جنين بحرق المدينة ونهبها.
ـ سبتمبر/أيلول 1918: في أثناء الحرب العالمية الأولى، وقعت جنين تحت الاحتلال البريطاني مثل بقية الأراضي الفلسطينية، لكن المحافظة لم تستسلم.
ـ عام 1935: نظمت أول مقاومة مسلحة بقيادة عز الدين القسَّام، أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني آنذاك، الذي وجد في جنين حاضنة شعبية من الفلاحين تؤمن بالثورة وتدعمها.
ـ تحوَّلت المنطقة منذ ذلك الحين إلى مركز للمقاومة الفلسطينية الذي انتقلت قيادته بعد استشهاد القسَّام إلى فرحان السعدي، سليل إحدى الأسر المقاوِمة.
ـ عام 1938: وقعت أبرز عمليات المدينة ضد الاحتلال، بقتلها قائدا بريطانيا كبيرا داخل مكتبه في جنين.
ـ عام 1948: حين وقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقتلت العصابات الصهيونية الآلاف من الفلسطينيين واحتلَّت منازلهم، تخلَّصت جنين من احتلال قصير نال منها بفضل الدفاع الشرس من المتطوعين الفلسطينيين والجيش العراقي.
ـ عام 1949: آلت المدينة إلى حكم الإدارة الأردنية، وفي أوائل الخمسينيات أُنشئ مخيم جنين لإيواء مهجري النكبة ممَّن استولت إسرائيل على منازلهم بعد طردهم، وسرعان ما صار المخيم الواقع في ضواحي المدينة معقلا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في السبعينيات والثمانينيات.ـ عام 1951: مع باقي الضفة الغربية دخلت المدينة في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية.
ـ عام 1964: أصبحت مركزا للواء جنين التابع لمحافظة نابلس، وبقيت تحت الحكم الأردني حتى احتلالها في حرب 1967.
ـ رزحت جنين تحت الاحتلال الإسرائيلي وأصبحت مركزا لمنطقة جنين التي يحكمها حاكم عسكري إسرائيلي مباشرة.
ـ استمر هذا الوضع حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، وأصبحت المدينة منذ ذلك الحين مركزا لمحافظة جنين، كما وقعت معظم أراضي المحافظة ضمن تصنيف (أ) و(ب) حسب اتفاق أوسلو.
"السور الواقي"
ـ 3 أبريل/نيسان 2002: اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بقوات غفيرة من الجيش والمشاة والدبابات بعد تطويقه بالكامل.
ـ العملية التي أطلقت عليها تل أبيب "السور الواقي"، استعدت لها المقاومة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل بقيادة الشهيد طوالبة وغيره من قادة الأجنحة العسكرية للفصائل، التي استطاعت تجهيز 200 مقاوم مسلحين بالبنادق والعبوات بدائية الصنع.
ـ مع بدء الاجتياح الذي أشرف عليه بشكل استثنائي رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز، نصب المقاومون الكمائن المفخخة في أزقة المخيم التي تسببت بمقتل عدد من الجنود، فقتل أحدها 13 جنديا إسرائيليا وأصيب 15 آخرين، وهو ما جعل الاحتلال يغير خططه ويقرر هدم جزء من المخيم وتسويته بالأرض، وهي المنطقة التي كان يتحصن بها المقاومون.
ـ حاصرت إسرائيل المخيم 10 أيام مُنِعت فيها عن المخيم المياه والكهرباء والطعام والعلاج، كما قصف الاحتلال المخيم بطائرات "إف-16" (F-16) والمدفعية.
ـ دمر الاحتلال 455 منزلا بالكامل، و800 منزل بصورة جزئية، واستشهد 58 من أبناء المخيم معظمهم من غير المقاومين، حيث كان يستخدمهم دروعا بشرية خلال محاولته التوغل في المخيم، واعتقال المئات من أبنائه، في مجزرة طالت البشر والحجر، وهزت الرأي العام العالمي.
ـ في المقابل، قتل خلال هذه المعركة 50 جنديا إسرائيليا وأصيب العشرات، مما جعلها من أكثر المعارك التي دفعت فيها إسرائيل ثمنا. وحاولت إسرائيل التقليل من هذا الثمن بالإعلان عن نجاحها في اجتثاث المقاومة بالمخيم، وأنها خطوة لا بد منها للقضاء على "عش الدبابير"، حسب وصفها المخيم، ووقف العمليات التي تخرج منه.
مقاومة قريبة
ـ 2 مارس/آذار 2021: استشهاد 3 فلسطينيين بعد اشتباكهم مع قوات الاحتلال أدى لإصابة 4 من جنود الاحتلال، حالة أحدهم خطيرة.
ـ أغسطس/آب 2021: حادثة هروب الأسرى الستة لم تخل من إعادة الحديث عن جنين، حيث حطَّ اثنان من الأسرى رحالهما في جنين بالفعل.
ـ أغسطس/آب 2021: اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وآلياتها العسكرية مدينة جنين بُغية اعتقال أحد عناصر حركة حماس، ووقع اشتباك مسلح مع مجموعة من المقاومين، أسفر عن استشهاد 4 شباب فلسطينيين من المدينة ومخيمها، قبل أن يخرج جنود الاحتلال من المخيم تحت غطاء كثيف من إطلاق الرصاص الحي لحماية أنفسهم.
ـ أكتوبر/تشرين الأول 2021: وقعت عملية إطلاق نار نفَّذها الفلسطيني ضياء حمارشة (27 عاما)، وأسفرت عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 6 آخرين.
ـ 7 أبريل/نيسان 2022: خرج الشاب رعد حازم (29 عاما) من منزله بمخيم جنين شمال الضفة الغربية حتى وصل إلى شارع ديزنغوف، المسمى على اسم مؤسس تل أبيب مائير ديزنغوف، وشهد الشارع بعض أشهر العمليات الفدائية التي قتل فيها ما لا يقل عن 40 إسرائيليا.
فتح حازم نيران سلاحه على الموجودين في الشارع ليترك خلفه 5 من القتلى و6 جرحى. وبهدوء تام، انسحب رعد وجلس على كرسي قبل أن يختفي عن الأنظار، لتبدأ قوات الاحتلال الإسرائيلي البحث عن منفذ العملية التي وقعت في أحد أكثر الشوارع حساسية وأهمية في إسرائيل.
قرية برقين التي مر عبرها يسوع المسيح حين أشفى الـ10 البرص المنعزلين في مغارة بطرف القرية
ـ بينما كانت تل أبيب -التي يطلق عليها سكانها المدينة التي لا تنام- تغلق حاناتها ومطاعهما ومراقصها بعد العملية، تنفيذا لتعليمات الأمن وتحسبا لظهور المسلح الشبح مرة أخرى، كان رعد حازم يتخطى كافة الإجراءات الأمنية متجها إلى مدينة يافا.
ـ 8 ساعات استغرقت عمليات البحث عن المسلح الشبح، بحثت خلالها قوات الاحتلال في أزقة تل أبيب، وحتى لحظة استشهاده في مدينة يافا قرابة السادسة من فجر الجمعة الأولى من شهر رمضان 1443 الموافق الثامن من أبريل/نيسان 2022.
ـ بعدها ومن محاور عدة لمدينة جنين، اقتحم أكثر من 200 عنصر إسرائيلي مخيم جنين، وحي الجابريات بالقرب منه، وأطراف قرية برقين المتاخمة للمخيم، وقرية عرَّانة في المنطقة الشرقية للمدينة.
ـ منذ بداية عام 2022 ووفق إحصاءات فلسطينية، فقدت جنين 10 شهداء وأصيب العشرات، لتسجل بذلك أعلى المدن عددا بين الشهداء والجرحى وأعلاها بعمليات المقاومة وتنفيذ "كتائبها" هجمات ضد نقاط الاحتلال العسكرية من حواجز وأبراج.
ـ جنين مدينة فلسطينية، ومركز محافظة جنين وأكبر مدنها، تقع في شمال الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية.
ـ تعتبر تاريخيا، إحدى مدن المثلث في شمال الضفة الغربية، وتبعد عن القدس مسافة 75 كيلومترا إلى الشمال.
ـ تطل جنين على غور الأردن من ناحية الشرق، ومرج بن عامر إلى جهة الشمال.
ـ تصل مساحة مدينة جنين وحدها إلى 21 ألف دونم، مما يجعلها خامس أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية بعد مدن الخليل ونابلس وطولكرم ويطا.
ـ تبلغ مساحة محافظة جنين 583 كيلومترا مربعا أي 9.7% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
ـ يتبع المدينة مخيم جنين الذي يقع غربها ويسكنه 16 ألف لاجئ. وترتفع المدينة عن سطح البحر بمعدل 175 مترا.
ـ تعتبر من أقدم مدن العالم التي لا تزال مأهولة بالسكان.
ـ ورد اسم المدينة في مصادر وآثار المصريين القدماء والبابليين والآشوريين؛ فوفقًا لعلماء الآثار، فإن الكنعانيين هم من أسسوها في حدود سنة 2450 قبل الميلاد.
ـ كانت تسمى قديما "عين جانيم" وتعني بالكنعانية عين الجنائن، حيث ارتبط اسم المدينة بمرج بن عامر الذي يعتبر أخصب أراضي فلسطين التاريخية، وفي عهد الرومان كان في بقعتها قرية ذكرت باسم "جيناي" من قرى سَبَسْطية.
ـ ذكرت مدينة "عين جنيم" في التوراة على أنها إحدى المدن التي سكنها اللاويون المنتمون لقبيلة "إسحقكر"، الذين غيروا اسمها إلى "جنّت" بعد بضع سنوات من استقرارهم بها.
ـ في كتابات أخرى يُرمز إلى المدينة باسم "جيني"، ويذكر المؤرخ اليهودي "يوسيفوس فلافيوس" أن مدينة جنين كانت إحدى مدن شمال السامرة.
ـ سيطرت على جنين الكثير من القوى، فكانت تارة تنهض وتارة أخرى تنتكس، إلا أن المدينة ازدهرت في أواخر الحكم العثماني وتأسس فيها أول مجلس بلدي عام 1886.
أماكن مقدسة
ـ تعتبر جنين خامس الأماكن المقدسة عند المسيحيين، لمرور يسوع المسيح من قرية برقين، حيث أشفى الـ10 البرص المنعزلين في مغارة بطرف القرية.
ـ في المكان نفسه وفي أوائل القرن الرابع الميلادي، أقام قسطنطين الكبير كنيسة برقين المعروفة بكنيسة جرجس وقد قامت الحكومة الهولندية بإجراء الإصلاحات اللازمة لها بالتنسيق مع دائرة الآثار في السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها من الأماكن المقدسة لدى النصارى.
ـ أصبحت هذه الكنيسة تعد طريق الوصل للحجاج المسيحين من الناصرة إلى بيت لحم
ـ في الفترة المشار إليها أقيمت في جنين كنيسة من ضمن 31 مدينة و442 قرية في عموم أراضي فلسطين، وظلت الكنيسة قائمة إلى أن دمرها زلزال عام 560 من الميلاد.
ـ كما تضم المحافظة ديرا للاتين يقع في قرية الزبابدة ذات الأغلبية المسيحية، الواقعة جنوبي شرق جنين.
ـ أما إسلاميا، فيقع في المدينة واحد من أقدم وأكبر المعالم الإسلامية العثمانية في فلسطين وهو جامع جنين الكبير الذي أنشأته فاطمة خاتون ابنة محمد بك بن السلطان الملك الأشرف قانصوة الغوري في القرن السادس عشر.
ـ يُعد هذا المسجد من أبرز المعالم التاريخية في الحضارة الإسلامية في فلسطين، ومن أقدم التحف المعمارية العثمانية في البلاد.
الجزيرة نت