صدمة كبيرة تعرض لها كثيرون في العالم بعد أن أقدمت قوات الاحتلال على اغتيال الصحفية مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وإصابة الصحفي علي سمودي، وقد جاءت هذه الجريمة في ظروف شبه عادية ولا تستحق كل هذا القدر من الإجرام، فلم يكن في جنين حرب شرسة، ومواجهات صعبة، وإنما سادت المكان سيطرة تامة من قوات الاحتلال، ما يؤكد استخفاف العدو الصهيوني بدماء الفلسطينيين عامة، والصحفيين على وجه الخصوص، ويجدد التنبيه إلى رغبة الاحتلال في وأد صوت الفلسطينيين ومنع وصول صورتهم.
والدلائل على ذلك كبيرة ولا حصر لها، فقد سبق أن استهدف الاحتلال الكثير من الصحفيين والمؤسسات الصحفية، وما قصف مقر قناة الأقصى الفضائية أكثر من مرة، واغتيال العديد من صحفييها إلا دليل واضح على ذلك.
وكانت العديد من المؤسسات الحقوقية والإنسانية رصدت بعض جرائم الاحتلال بحق الصحفيين والإعلاميين، فقد أكدت نقابة الصحفيين أن الاحتلال قتل 102 صحفي منذ عام 1972م، بينما قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن الاحتلال قام بأكثر من 1251 اعتداءً بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م إلى عام 2010م، حيث أطلق الاحتلال النار على الصحفيين بشكل مباشر أكثر من 366 مرة، أدت إلى استشهاد 11 منهم، وإصابة 270 آخرين، كما تعرض 253 صحفيا للضرب، و298 للاعتقال والاحتجاز.
وكان مركز الميزان قد أكد استشهاد صحفيين اثنين وإصابة 173 آخرين، منهم 10 صحفيات، برصاص الاحتلال أثناء تغطيتهم مسيرات العودة شرق قطاع غزة، وهو ما تواصل لاحقاً، وبالإمكان أخذ عينة عنه من خلال إحصائيات العام الفائت حيث قالت لجنة دعم الصحفيين إن الاحتلال الصهيوني ارتكب 652 انتهاكا بحق الإعلاميين خلال عام 2021م، منها استشهاد الصحفي يوسف أبو حسين، وتدمير أكثر من 59 مؤسسة إعلامية.
جرائم الاحتلال في استهداف الصحفيين ترافقت مع أشكال متعددة من العدوان الذي تجاوز كل المعايير الإنسانية، مثل قتل الأطفال، وهدم المنازل، واستهداف الأسر الآمنة، وقصف الأبراج، وفرض الحصار، وعقاب أسر أبطال العمليات الفدائية.
وكل ذلك يشير إلى طبيعة العدو الصهيوني الإجرامية، والتي تصعد من عدوانها كلما شعرت بالأمن، ولم تخشَ العقاب، بينما تتراجع إذا وجدت رادعاً، وأدركت أن هنالك ثمنا ستدفعه إذا ارتكبت جريمة، ففكرة الردع التي طالما تحدثت عنها (إسرائيل) وجعلتها مكوناً أساسياً من مكونات أمنها القومي؛ لم تنتج عن دراسة وتأمل، بقدر ما نبعت من عمق مكنوناتها النفسية، وعقدها الداخلية، بمعنى أنها الأكثر تأثراً بفكرة الردع، والأكثر خضوعاً لها.
وعند عقد مقارنة سريعة بين سلوك الاحتلال تجاه المقاومة بعد أن بدأت بردعه كلما أقدم على جريمة ما، وبين سلوكه تجاه المكونات الإقليمية التي تعلن أنها تحتفظ بحق الرد، سنجد أنه يقلص عدوانه بكل كبير في الأولى، ويتمادى بشكل مستفز جداً في الحالة الثانية، وقد رأينا كيف واصل قصف الوجود الإيراني في سوريا، وتمادى في ذلك حتى قامت إيران بقصف قاعدة أمنية صهيونية في أربيل بالعراق، عندئذ توقف عن الاعتداء عليها، ولم يعد إلى ذلك السلوك مجددا.
هل من تفسير لإقدام العدو على قتل صحفية لا تمثل على جنوده أي خطر ميداني، في اللحظة ذاتها التي يقف فيها عاجزاً -مثلا- عن استهداف مقاوم فلسطيني أطلق النار على جندي من جنوده على حدود غزة، في مشهد رآه العالم كله، لا تفسير لذلك سوى أن هذا العدو لا يدرك إلا لغة الردع، والمواجهة، وتكبيده ثمنا باهظاً، وهو ما يفرض على الفلسطينيين والأحرار الرافضين لهذا الكيان؛ أن يرفعوا من وتيرة مراكمة قوتهم، وجرأتهم، ومبادرتهم لردع عدوانه.
فلا حل أمام الضفة المحتلة لحماية أرضها وبيوتها وشبابها سوى هذا الطريق، فلقد أثبت التنازل غير المسبوق لمحمود عباس أن العدو لا يتراجع أمام التنازل مهما كان كبيراً، بينما أثبتت وقائع الأحداث التي قادتها المقاومة أن للعدو لغة برمجة واحدة لا يتعرف على سواها ولا يستجيب إلا لأكوادها.