ليست مصادفة أن يحمل شهداء فلسطين أسماء لهم فيها نصيب، فذاك شأس ومجد وجهاد واليوم يلحق بركبهم الفتى ثائر اليازوري -16 عاما- بعدما قنصه جندي (إسرائيلي) عمدا برصاصة اخترقت جسده عند عودته من مدرسته الهاشمية الثانوية بمدينة البيرة، والواقعة على بعد أمتار قليلة من مستوطنة "بسجوت" المقامة على أراضي المدينة.
ماذا جرى ليقتل جنود الاحتلال الصغير؟ بكل عدوانية أطلقوا الرصاص الحي تجاه الطلبة أثناء مغادرتهم المدرسة التي تقع في منطقة جبل الطويل عند الساعة التاسعة والنصف صباحاً، فأصيب أحدهم بالرصاص الحي بالقدم، فهرع زملاؤه للاحتماء في بناية قريبة.
وخلال هروب الطلبة من قناصة الاحتلال، سقطت حقيبة ثائر، عاد ليأخذها غير أن جندياً أصابه برصاصة في صدره مباشرة، لتخرج من الظهر.
سقط الفتى الثائر جريحاً، فلم يتمكن من تبديل ملابسه، كما اعتاد، ليمارس لعبة كرة القدم في ناديه الرياضي.
ليست المرة الأولى التي يترصد فيها الجنود الطلبة عند خروجهم من مدارسهم، فدوما في الضفة المحتلة والقدس يراقبون الصغار وهم يخرجون من مدارسهم، ليقنصوا أحلامهم ويقتلوها، كما جرى مع اليازوري الذي كان يحلم بالوصول لبيته وممارسة حياته بشكل طبيعي حيث الدراسة واللعب وجو العائلة.
لم يقترف الصغير ذنبا، ليعود إلى أمه محمولا على الأكتاف. الصدمة كانت واضحة عليها حين هرعت إلى ثلاجات الموتى لتوديعه، بقيت طيلة الوقت تمسح ما تبقى على وجهه من دماء وتتحدث إليه وكأنه يسمعها "عملت اللي بدك إياه وروحت".
ولم تكتف بذلك بل أصرت على اصطحاب جثمانه من المشفى حتى سرير نومه لعلها تحتضنه للمرة الأخيرة حيث اعتادت أن تتفقد فراشه في غرفة العائلة، هذه ليست قصة خيالية، بل حقيقية لكن لا تحدث إلا في فلسطين.
الشهيد الثائر على ظلم الاحتلال، وصل إلى سريره، حينها نظرت إليه وهي تردد "هذه آخر مرة يمّا في غرفتك"، ثم طلبت من جموع المشيعين أن يتركوها وبناتها الصغار قليلا معه، ليخبرها بما حدث معه في المدرسة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى.
عبر الهاتف جاء صوت والده خليل وهو يحكي "للرسالة نت" أن ابنه يحمل من اسمه نصيب فدوما كان ثائرا على ما يفعله الاحتلال في القدس ومؤخراً في مدينة جنين، ويعترض على تلك الاعتداءات ويهدد ويتوعد بالانتقام رغم صغر سنه.
الشهيد كان مغرما بكرة القدم وقد حقق بطولات مع نادي الإرسال الرياضي الذي يلعب فيه، ودوما كان لديه حلم بالاحتراف في الخارج، لكن حين يرى العنف والعدوان الذي يمارسه جنود الاحتلال بحق المقدسيين والمرابطين في الأقصى، وكذلك في المخيمات والقرى الفلسطينية يثور ويتوعد بالانتقام بطريقته حين يكبر، كما ذكر والده.
ويقول: "ابني كالكثير من أبناء جيله، كان له تحركات كثيرة لم أستطع ضبطه (..) كان يسابق الريح للمشاركة في جنائز الشهداء ويدرك أنه سيُحمل على الأكتاف يوماً".
وبكلمات مقتضبة ينهي حديثه "هذه الليلة كانت الأصعب في حياتي، لم يأت يوم ليبيت فيه ابني ثائر خارج البيت (..) لم يغمض لي ولزوجتي وأبنائي الخمسة جفن، أمه بقيت تتردد على الغرفة علها تجده في فراشه".
شيع فتية بعمر الزهور رفيقهم الثائر وهم يحملون حقائبهم المدرسية على ظهورهم، ويتعلقون بسيارة الإسعاف التي تحتضن صديقهم، فهذه الجنازة شحنت غريزة الحنين لشهيدهم التي ستلازمهم طوال حياتهم، لكنهم يدركون أنهم سيبقون هدفاً للاحتلال ولن يسمح لهم بالعيش في سلام.
ويعتبر قتل الشهيد ثائر المتعمد جريمة جديدة نفذها الاحتلال بدم بارد وتضاف إلى سلسلة الجرائم العنصرية التي يقترفها بشكل متواصل بحق الأطفال.