لم تكن الصحافية شيرين أبو عاقلة إنسانة عادية بل كانت احدى أعمدة الإعلام الوطني الفلسطيني ومقاتلة على جبهة نقل الحقيقة، تتمتع بحضور إعلامي قوي ومهنية عالية واحترافية صادقة وشجاعة غير مسبوقة في تغطية الأحداث على الأرض.
فقد أخافتهم كلماتها وشكلت لهم كابوسًا وصداعًا بشكل مستمر، وكانت أقوى من جبروتهم وتأثير رصاصهم المتفجر وماكنتهم الإعلامية المسيسة.
حملت شيرين همّ فلسطين إلى العالم بالصوت والصورة فجذبت الملايين من البشر لصالح القضية الفلسطينية من أجل ذلك عمل الاحتلال على اغتيالها في جريمة مركبة ومكتملة الأركان وبأوامر عليا من رأس الهرم السياسي وأجهزته الأمنية الذين لم يرق لهم إظهار الرواية الفلسطينية الحقيقية التي تفضح ممارسات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
ومنذ اللحظة الأولى التي نفذ الاحتلال جريمته النكراء أوردت وسائل إعلامه المجندة والموجهة خبرًا يفيد عن إصابة مخربين إثنين (مقاومين) على مشارف مخيم جنين الثائر، وكان مصدر هذه المعلومات من جنوده في الميدان، وبعد أن بدت الحقائق تتكشف وتبين أنها الشهيدة شيرين أبو عاقلة والصحفي الجريح المناضل علي السمودي، أثار الحادث موجة غضب فلسطيني وعالمية غير مسبوقة وكان له وقع الزلزال وأدى إلى إلحاق ضرر سياسي وإعلامي كبيرين بالكيان الصهيوني مما أخرجه عن طوره وإنتابه حالة من الإرباك والتخبط وبذل قصارى جهده لتبديل روايته الأولى واختلاق روايات أخرى كاذبة ومتعددة ومتناقضة لا علاقة لها بالمكان والزمان الذي وقعت فيه الجريمة.
رغم ذلك لم يفلح الاحتلال في قلب الحقائق وترميم الأضرار الناتجة عن جريمته لأن كل الأدلة دافعة على إدانته، ولم يستطع تبرئة نفسه، وكل محاولاته لفتح تحقيق مشترك مع السلطة الفلسطينية هدفه شراء الوقت لتغييب وتزييف الحقائق ومحو أثار الجريمة، وتضليل الرأي العام، وهذا يذكرنا بما قامت به عصابة الليحي الصهيونية باغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت السويدي الجنسية ومساعده الفرنسي في 17 أيلول / سبتمبر 1948م لأنه إقترح حلًا للصراع العربي الصهيوني وكان شاهدًا حيًا على مجازر النكبة الفلسطينية وتم اتهامه عبر وسائل الإعلام الصهيوني بمحاباة العرب، فأطلقوا عليه النار من سيارة جيب كانوا قد سرقوها من قوات الأمم المتحدة قبل فترة وجيزة من ارتكاب جريمتهم، وعلى إثر ذلك شكلت لجنة تحقيق دولية، فقامت حكومة الاحتلال آنذاك بإرسال معلومات ملفقة ومظللة وخادعة حول الحادث للحكومة السويدية وعملت على التستر على الجريمة وإماتتها.
وسجل الاحتلال الأسود حافل بمثل هذه الأحداث بالتحايل والتضليل، فلا يمكن الوثوق بالمجرم الذي له أسبقيات بذلك وسن قوانين تمس بحرية التعبير والصحافة وقام باستهداف الصحافيين بالاعتداء أو القتل أو الاعتقال وعرقل عملهم في مرات عديدة وبشكل ممنهج كما جرى مع مراسل قناة فلسطين اليوم مجاهد السعدي الذي تعرض لاعتقالات عدة، وكذلك اعتقال الصحافي عمر نزال أثناء مروره على جسر الملك حسين (اللنبي) ومنعه من المشاركة في اجتماع اتحاد الصحافيين الأوروبيين، عدا عن إلغاء بطاقة الاعتماد الصحافية لمراسل قناة الجزيرة إلياس كرَّام بذريعة وصف تغطيته الصحافية شكلًا من أشكال المقاومة السلمية والقائمة تطول.
فلولا صمت وتواطؤ ما يسمى بالمجتمع الدولي ونفاقه وتماهيه مع الاحتلال ما تجرأ الأخير على التمادي في ارتكاب مثل هذه الجرائم الفظيعة واستهداف الصحافيين والطواقم الطبية في خرق فاضح للقانون الدولي.
فمن أمِنَ العقاب أساءَ الأَدب.