لم تنل الجراح من عزيمته، ولم تثنه التضحيات والإصابات عن مواصلة المسير حتى آخر رمق في حياته، مثّل قامة مرفوعة في سماء جنين يرى الناظر فيها مقاومتها المتجددة المستمرة على نهج جهاده ودرب بطولته، يعليها بدمائه واستشهاده، إنه القائد القسامي نصر جرار.
وبعد 15 عامًا من استشهاده، جدد نجله "أحمد" إرث الجهاد والمقاومة التي رسمه والده، وغرسه في أحياء جنين ومخيماتها وبلداتها، ليلتحق به شهيدًا بعد تنفيذه عملية "حفات جلعاد" البطولية في نابلس.
سيرة قائد
ولد الشيخ نصر خالد جرار في الأول من يناير عام 1958، في منطقة وادي برقين إحدى ضواحي جنين، تربى في عائلة مثقفة متعلمة ملتزمة، كان قلبه متّقدا بحب وطنه، حيث قام في عام 1977 بإلقاء قنبلة مولوتوف على محطة باصات "إيجد" الإسرائيلية في منطقة جنين.
بدأت رحلة الشيخ المجاهد القسامي نصر مع السجن مبكرا عام 1978، لتحوي لائحة اتهامه في محكمة الاحتلال إقامة خلية مسلحة إسلامية الدوافع والتطلعات قبل إنطلاق العمل المسلح عام 87، إلا أنه اعتقل من قبل سلطات الاحتلال في عام 78 بتهمة إلقاء قنبلة مولوتوف على شركة الباصات الاسرائيلية ومحاولة تنظيم خلية إسلامية مسلحة ومظاهرات ضد الاحتلال وقد حكمت عليه المحكمة العسكرية للاحتلال بالسجن لمدة عشر سنوات.
ورغم صغر سنه إلا أنه صاحب فضل على الكثير من السجناء فقد أسس وثلاثة آخرين من السجناء الجماعة الإسلامية داخل السجن رغم أنه لاقى في سبيل ذلك الأذى والتهديد من أصحاب الأفكار الأخرى.
في عام 1988 خرج الشيخ نصر جرار من سجنه يبلغ من العمر ثلاثين عاما ممتلئا حماسا متقدا للعمل الدعوي، لينضم للجنة أموال الزكاة ويكون من المشرفين على الأيتام والفقراء.
وفي عام 1994 كانت رحلته الطويلة الثانية مع السجن حيث اعتقل وأودع في معتقل مجدّو لمدة أربع سنوات ونصف في الاعتقال الإداري بعد اتهامه بالوقوف خلف عملية الخضيرة التي نفّذها الاستشهادي رائد زكارنة، إلا أن صلابته في أقبية التحقيق لم تثبت عليه شيء.
محاولات لاغتياله
حاولت قوات الاحتلال في 1/1/2000 اغتياله بعد أن قامت بتطويق منطقة سكناه في وادي برقين بحثا عنه، حيث قامت أعداد كبيرة من القوات الخاصة للاحتلال بتطويق منزله إلا أنه استطاع الانسحاب من بين براثنهم بعد أن شعر بتحركاتهم.
في 21/2 من عام 2000 انفجرت به عبوة ناسفة في منطقة قريبة من بلدة قباطية على الشارع الالتفافي أثناء مهمة جهادية، مما أدى إلى بتر يده اليمنى وساقه اليسرى من الفخذ وبقي ملقى على الأرض تحت الشجر لمدة ساعتين قبل أن يحضر المواطنون ليقلّوه إلى المستشفى.
استطاعت قوات الاحتلال بمساعدة عملائها اغتياله يوم الأربعاء الموافق 14/8/2002 في بلدة طوباس بعد أن طوّقت منزل المواطن محمد عبد الله أبو محسن.
وأطلقت أربع قذائف باتجاه المنزل الذي جرت اشتباكات عنيفة في محيطه بين أفراد من كتائب الشهيد عز الدين القسام وجنود الاحتلال، إلا أنه ونتيجة الإلحاح الكبير ومطالبة الشيخ نصر أفراد الكتائب مغادرة المكان لعدم قدرته على الانسحاب معهم وحمله لكونه مقعدا، استطاع أفراد الكتائب الانسحاب من الموقع الذي تعرّض لقصف من الطائرات الإسرائيلية مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه قبل أن يتعرض للهدم عن طريق الجرافات، ليرتقي الشيخ نصر شهيدا تحت الأنقاض.
نجله البطل
مع ساعات الفجر الأولى ليوم الثلاثاء السادس من فبراير لعام 2018م، وقع اشتباكٌ مسلحٌ مع قوات الاحتلال في بلدة اليامون انتهى باستشهاد القسامي أحمد نجل القائد الشهيد نصر جرار، بعد نحو شهر من تنفيذ عملية "حفات جلعاد" البطولية، التي أطلق فيها الرصاص على رأس المستوطن والحاخام الإسرائيلي "أزرائيل شيفح" قرب نابلس شمال الضفة الغربية.
ولد أحمد نصر جرار عام 1994، وينحدر من واد برقين غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وتلقى فيها تعليمه وحصل على شهادة جامعية في إدارة المستشفيات.
عاش الشاب المجاهد أحمد جرار يتيما منشغلا بالتجارة بعيدا عن المظاهر الاستعراضية، متخفيا عن الأنظار وأضواء الكاميرات، ولم يعرف عنه أي نشاط أو اهتمام خارج عمله التجاري قبل العملية التي قام بتنفيذها.
وحتى بعد تنفيذ هذه العملية عاد جرار إلى مزاولة أعماله التجارية بشكل اعتيادي وبكل هدوء أعصاب، إلى أن قامت وحدات من القوات الإسرائيلية بمحاصرة واقتحام منزله في 18 يناير/كانون الثاني 2018.
وفي السادس من فبراير/شباط تمكنت قوات إسرائيلية من اغتيال الشهيد أحمد جرار خلال مواجهة معها في قرية اليامون بقضاء جنين بعد مطاردة استمرت نحو شهر.
فلسطينيًا، تحول جرار إلى "بطل" ونموذج للشاب المقاوم، وأطلق المواطنون عليه لقب "شبح جنين" وغيرها من الأوصاف والألقاب التي تعبر عن الاعتزاز والإكبار لابن جنين الذي أعاد سيرة والده مقاومة واستشهادا.