يمارس آلاف الطلبة الفلسطينيين داخل أسوار الجامعات ديمقراطية شبابية من خلال انغماسهم في تجربة انتخاب ممثليهم في مجالس الطلبة، للعناية بأمورهم وشؤونهم اليومية وقضاياهم متعددة الأوجه والمظاهر، التعليمي منها، والسياسي والنقابي والأكاديمي، إذ تُعد عملية انتخاب مجالس الطلبة عملية وطنية بامتياز، يهتم لها الكُل الوطني.
ومن الجدير بالذكر أن العمل الطلابي الوطني بدأ مع بدايات تشكل معالم القضية الفلسطينية، والهجمة الشرسة على الحق الفلسطيني، لكنها تطورت كثيراً منذ ذلك الحين، فقد اتخذت مسارات عِدَّة كان جوهر العمل بها هو التناقض مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت قوة هذا العمل الوطني تكمن في الطريقة الديمقراطية التي تُفرز ممثلي مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية.
ولأن الكُتل الطلابية هي امتداد للحركات والفصائل والتنظيمات الفلسطينية، نجد أن انتخابات مجالس الطلبة تحظى باهتمام كبير يوازي الاهتمام بالانتخابات النقابية والمجالس المحلية وغير ذلك من الانتخابات، حيث تعتبر الجامعات المَحضن الأول الذي يؤسس لنضوج الفكر السياسي لدى الشباب الفلسطيني، ويؤهلهم للعمل الوطني في مجالاته المختلفة.
وتحاول دائما الكتل الطلابية المختلفة فرض ذاتها، والترويج لبرنامجها الذي يتواءم مع الحركة الأُم، كما أنها تُعلي من قَدرِ القِيم الوطنية التي تؤمن بها فتمتزج العملية الدعائية للانتخابات بصور الشهداء والأسرى والمحررين، وترتكز على الإرث الوطني والأحداث التي تزيد من قبول الطلبة لقائمة انتخابية على حساب أخرى، وإن زيارة قصيرة لأحد الجامعات الفلسطينية في أيام الانتخابات، أو متابعتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، تستثير الذاكرة الوطنية، وتبعث الأمل في مشروع التحرير الذي يقوده الشباب الفلسطيني.
ومن المُهم الإشارة إلى ان الحركة الطلابية ساهمت في إيجاد وتأهيل قيادات وطنية ومجتمعية، حيث لم يكن دور الكتل الطلابية مُنصبٌّ على إيجاد وإبراز القيادات الطلابية فحسب، بل تعدى الأمر إلى صقل وتمتين قدرات هذه الكفاءات والقيادات الذين تم تأهيلهم خلال فترة دراستهم في الجامعات.
وقد نشطت هذه القيادات الطلابية بعد تخرجها من الجامعات في قيادة العمل المجتمعي العام، وفي إطار الحركات والفصائل والأحزاب الفلسطينية، وفي منظمات المجتمع المدني، بل إن العمل الوطني الفلسطيني المقاوم في كثير من مراحله كان يعتمد على القيادات الطلابية في العمل الميداني، إذ تعرضت الحركة الوطنية لكثيرٍ من الضربات كان أبرزها إبعاد قيادات من حركة حماس والجهاد الإسلامي لمرج الزهور، وعملية الاعتقالات الكبيرة التي طالت قيادة الحركتين من قِبل السُلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو؛ وهذا ما يفسر الاهتمام الكبير من الحركات والفصائل المقاومة لتأطير وتعبئة الطلبة الذين يمثلون رافداً مهماً للحركة الوطنية.
إن الانتخابات الطلابية الأخيرة في جامعة بيرزيت، وما مَثَّلته من فوز لكتلة حركة حماس في مجلس الطلبة يظهر أن الخاسر الأكبر هو نهج التنسيق الأمني المُعاكس لإرادة شعبنا الفلسطيني، ومن قمعوا الحريات في الضفة الغربية واغتالوا نزار بنات، بل هو خسارة جديدة ومتواصلة لمشروع أوسلو ومروجيه ودعاة التنسيق الأمني، وإثباتٌ متتالٍ على أن الشباب الفلسطيني سيختار المقاومة دومًا نهج له.