قال مسؤول سابق في الشاباك (الإسرائيلي): "إن (إسرائيل) تظهر ضعفاً مستمراً أمام حركة حماس في كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة، ويرى أن الجيش (الإسرائيلي) فقد الردع تماماً.
نشرت صحيفة "معاريف" العبرية مقالاً للمسؤول السابق في الشاباك (الإسرائيلي) ، يذكّر فيه كيف انحنت (إسرائيل) على ركبتيها لمدة 15 عاماً أمام حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بأكمله.
فيما يلي ترجمة المقال كاملاً:
حرب (إسرائيل) على قطاع غزة، والعكس صحيح، مستمرة منذ سنوات عديدة. لقد بدأت خلال حكم السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، لكنها استمرت لفترة أطول منذ سيطرة حماس على غزة في حزيران عام 2007.
نظراً لأن التاريخ له طريقة غريبة في تكرار نفسه، خاصة في المواقف التي لم يتم فيها فعل أي شيء لتغيير الواقع، فقد يكون من المفيد تذكير الجميع كيف وصلنا إلى الوضع الحالي. وضع تنحني فيه دولة مثل (إسرائيل) على ركبتيها، لمدة 15 عاماً، في مواجهة منظمة تعد 20 ألف مقاتل.
في صيف 2005، انفصلت (إسرائيل) من جانب واحد عن قطاع غزة، بموجب قرار رئيس الحكومة آنذاك أرييل شارون، ولم يعد من الممكن عملياً وقانونياً الحديث عن "الاحتلال" (الإسرائيلي) المزعوم لقطاع غزة.
هذه الحقيقة لم تمنع الفلسطينيين من الاستمرار في تنفيذ العمليات، وزيادة وتيرة تهريب الأسلحة من الحدود المصرية، وتكديس المزيد من الأسلحة للقتال في المستقبل ضد (إسرائيل)، بدأت حماس تهاجم بقوة سلطة فتح في القطاع التي وافقت على الحكم بشكل مشترك، ولكن الاتفاق تمّ خرقه وسيطرت حماس على قطاع غزة بأكمله.
وحتى اليوم، نفذ الجيش (الإسرائيلي) 9 عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، خمس منها بعد بداية عهد حماس: قوس قزح وأيام التوبة عام 2004، وأول المطر عام 2005، وأمطار الصيف عام 2006، وشتاء حار عام 2008، والرصاص المسكوب في عام 2009، عامود السحاب في عام 2012، والجرف الصلب في عام 2014، وحارس الأسوار في عام 2021. كانت جميع العمليات بمثاب ردود سريعة ومحدودة الشدة، وكانت جميع العمليات هي نتيجة عمليات مبادر اليها من جانب حماس وبقية المنظمات الإرهابية ضدّ (إسرائيل). كل هذه العمليات اكتفت في ضرب جزئي للبنية التحتية وقدرات المنظمات الإرهابية. كل هذه العمليات أبقت حماس في السلطة دون الإضرار بقوة المنظمة.
يركز الإعلام (الإسرائيلي) على الشخصيات التي تقود حماس بدلاً من الأيديولوجية التي تقودها. يجب على "إسرائيل" أن تفهم أن محمد ضيف أو يحيى السنوار ليسا المشكلة الرئيسية. حماس هي المشكلة. الأيديولوجية الكامنة في أساس نشاطها هي المشكلة. القادة والمحاربون ينهضون ويسقطون. الأيديولوجيا، وبالتأكيد الدينية، تبقى لفترة طويلة. وعندما يتم دعمها بنشاط عسكري شديد لا يتم علاجه بيد قوية، فإنها التطور وتنتشر مثل السرطان في الجسم. وهنا تكمن المشكلة الرئيسية. لقد فقدنا تماماً الردع.
قررت (إسرائيل) على مر السنين، عدم اتباع أي سياسة استراتيجية أو تحديد هدف واضح فيما يتعلق بمواقفها تجاه قطاع غزة. وبهذه الطريقة، فقد مكنت وتسمح باستمرار تعاظم وتسلّح حماس، والتحريض المستمر لحماس ضد (إسرائيل) وسياستها في جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، وتقوية حماس في مناطق يهودا والسامرة أيضاً.
إذا بحثنا عن أمثلة على العزلة (الإسرائيلية)، فلن نضطر إلى بذل الكثير من الجهد. بينما تسمح الحكومة الإسرائيلية باستمرار حكم حماس في قطاع غزة، تشارك الحكومة (الإسرائيلية) في الوقت نفسه في مثل هذه المبادرات وغيرها من المبادرات السياسية المصممة للتخفيف إنسانياً عن سكان غزة. في غضون ذلك، على سبيل المثال، يتعامل المجتمع الدولي مع إمكانية إنشاء ميناء دولي وإمكانية إدخال البضائع والسفن التجارية إلى قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك، تجد الحكومة نفسها تعتذر من حين لآخر لجهات دولية عن حقيقة أن الجيش (الإسرائيلي) أوقف سفينة في المياه القريبة من قطاع غزة وأجرى عمليات تفتيش فيها. هذا هو الحال مع كارين آي في عام 2002 ، وأبو حسن في عام 2003 ، والسفينة فيكتوريا في اذار 2011، وكلوس سي في اذار 2014.
كما اعتذرت (إسرائيل) عن استيلائها على سفينة ماوي مرمرة في عام 2010، بل ودفعت تعويضات من منطلق رغبتها في انهاء الحدث وتجنّب النزاعات الدولية. هذا على الرغم من أن لجنة توركل التي حققت في الحادث، حددت بشكل لا لبس فيه أن الجيش (الإسرائيلي) تصرّف بشكل جيد ووفقاً للقانون الدولي. لقد تصرفت (إسرائيل) بشكل قانوني ووفق القانون الدولي، ومع ذلك اضطرت إلى إذلال نفسها والاعتذار ودفع تعويضات لـلضحايا.
إن السلوك الانهزامي لــ (إسرائيل) في مواجهة قطاع غزة لم ينته عند هذا الحد. إلى جانب فشل الردع البحري، فضلاً عن فشل الردع البري بسبب فشل العمليات المختلفة لتغيير المعادلة، أظهرت (إسرائيل) ضعفاً مستمراً بمقابل حماس في كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة. تستمر ملايين الدولارات في التدفق إلى القطاع من قطر ودول الاتحاد الأوروبي، بدعوى تأمين الاحتياجات الإنسانية، ولكن عملياً يتم تحويل الأموال إلى التسلّح وبناء البنية التحتية العسكرية في القطاع.
حماس تقرأ الخارطة جيداً وتتصرف بعزم ومثابرة على عكس "اسرائيل" لتحقيق رؤيتها. تقود الخطاب حول جبل الهيكل (المسجد الأقصى) والقدس، وتملي توقيت ونطاق العمليات والاعتداءات على (إسرائيل)، وتشجع وتمول الخلايا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وتدير بشكل غير مباشر حواراً دبلوماسياً مع (إسرائيل) كما لو انهما دولتان ذات سيادة طبيعيتان، وتواصل الإمساك بمئات الآلاف (الإسرائيليين) في غلاف غزة كرهائن منذ سنوات.
والأهم من ذلك، أن حماس تفهم المعادلة المستحيلة التي نشأت بيننا وبينها بموافقة (ضمنية) من "إسرائيل". ينص هذا الاتفاق على أشياء سخيفة تماماً:
أولاً، حماس حصينة في حكم قطاع غزة وليس هناك نية للإطاحة بها.
ثانياً، تستطيع حماس وقادتها العمل والتحرك بحرية دون التعرض لخطر استهدافها بالأيام العادية.
ثالثاً، يمكن أن تستمر حماس في تسليح نفسها وتعاظمها وبناء الأنفاق والاستعداد عسكريًا لهجوم على "إسرائيل" من دون أي ازعاج.
رابعاً، يمكن لحماس إطلاق صواريخ أو بالونات متفجرة وحارقة نحو غلاف غزة دون أن تتعرض لرد (إسرائيلي) قاس.
خامساً، إطلاق الصواريخ على (إسرائيل) الذي لا يعبر خط أشدود يرد عليه "إسرائيل" بشكل محدود بقصد "احتواء" المواجهة ومنع التصعيد.
سادساً، تستمر حماس في العمل وتمويل الخلايا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وتكون هي البديل الحكومي لأبو مازن في كافة مناطق السلطة الفلسطينية.
والنتيجة المؤسفة لكل ما سبق هي أن منظمة، قوامها نحو 20 ألف مقاتل، تسيطر على قطاع غزة بأكمله وتحتجز دولة بأكملها رهينة، تجرها بردود احتوائية بعد مبادراتها وهجماتها. يقولون لنا إنه لا توجد مشكلة في إسقاط حماس، لكن الخوف هو ممن سيأتي بعدها، لكن هذه الحجة لا تصمد حتى في يوم جاف بشكل خاص. الجهاد الإسلامي ليست بديلاً واقعياً للسيطرة على قطاع غزة، و(إسرائيل) تفهم ذلك أيضاً. الخشية هي من الحاجة للوقوف مرة أخرى مقابل اتفاقات سابقة مع السلطة في موضوع إقامة دولة فلسطينية.
هنا أيضاً، كما في حالة جدار الفصل، تمنع الأسباب السياسية الداخلية الدولة من خلق الردع والحكم والأمن لمواطنيها. لا تشكل حماس تهديداً وجودياً أمنياً لـ (إسرائيل). يأتي التهديد الوجودي الحقيقي من الداخل وينبع من الافتقار إلى القيادة والشجاعة القيادية على مدى سنوات، والافتقار إلى السياسة والاستراتيجية واظهار مستمر للضعف والاحتواء والرغبة في المحافظة على الهدوء. يجب أن يتغير هذا وبسرعة.
المصدر: الميادين