لم يختلف اثنان في مشروعية مقاومة الاستعمار من عدمها، فهي مشروعة بحكم الطبيعة الإنسانية التواقة للكرامة والحرية، وكذلك مكفولة وفقا للقوانين والأعراف الدولية، لكنّ الاختلاف وقع في اختيار الأساليب والوسائل التي تنتهجها الشعوب المحتلة؛ أملا في تحقيق الحرية وطرد الغزاة؛ فبين أسلوب الثورة المسلحة العارمة وأسلوب تعزيز صمود المواطن في أرضه عبر الأناشيد الوطنية على أهميتها؛ هناك العديد من الأساليب والوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية؛ هذه الوسائل في مجموعها تُشكل طرقا مشروعة لمقاومة الاستعمار؛ ولكن لا يمكن التسليم بطريقة واحدة قادرة على جلب الحقوق واستعادة الحرية؛ والانكار على أصحاب الطرق الأخرى طريقتهم وأسلوبهم.
قاوم الفلسطيني المحتل منذ ما يزيد عن المئة عام بشتى الأساليب؛ وليس جديدا ألّا يتفق كل الفلسطينيين على شكل واحد وموحد على الطريقة المناسبة للوصول للحقوق الفلسطينية، فالتباين في اختيار الأسلوب واضح منذ القدم وهو اليوم أوضح، فبينما ترى القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني المتمثلة في السلطة الفلسطينية؛ أنّ الطريقة المثلى للوصول للحقوق الفلسطينية تكمن في المقاومة السلمية عبر المفاوضات والعمل الدبلوماسي وما اصطُلح عليه حديثا بالمقاومة الشعبية؛ أما القيادة الشعبية للشعب الفلسطيني والمتمثلة في قيادة مشروع المقاومة؛ فترى أن المقاومة الشاملة ومنها المقاومة المسلحة طريقا مشروعا للشعب الفلسطيني وفق ما تقتضيه الضرورة ولم تسقط أي من خياراتها على قاعدة الاحتفاظ بأوراق القوة؛ بالتأكيد أنّ التوافق بين القيادين ليس سهلا، ولكن الأخطر من عدم التوافق يتمثل في محاربة المشاريع بعضها بعضا.
تحارب السلطة الفلسطينية (القيادة الرسمية) أي عمل مقاوم داخل الضفة المحتلة بكل ما أوتيت من قوة، وتعتبر ذلك مهددا لوجودها وفقا للاتفاقيات الموقعة والهدف الرئيس من إنشائها، ولا تترك فرصة إلا ولمزت مشروع المقاومة ونعتته بالعبثية أو المراهقة السياسية؛ في المقابل قيادة مشروع المقاومة لم تنكر على القيادة الرسمية مساعيها داخل الأروقة الدولية وحصولها على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة؛ بل أنّ خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس؛ رحب بالخطوة واتصل برئيس السلطة محمود عباس لمباركة الخطوة، وفي مراحل عديدة لم تخذل قيادة مشروع المقاومة قيادة السلطة الرسمية في مساعيها الدولية وهذا ما عبر عنه القياديان في حماس أبو إبراهيم السنوار خليل الحية مرارا.
وصل مشروع التسوية السلّمية إلى طريق أقل ما يقال عنه أنه مسدود لأسباب عديدة؛ أهمها تفريط أصحاب هذا المشروع بعوامل القوة لديهم وهي الشرعية الشعبية التي يتم التعبير عنها من خلال صناديق الانتخابات لتجديد شرعية المؤسسات الرسمية، كذلك الاعتماد على التسوية سبيلا للتحرير في ظل تطرف الاحتلال يوما بعد يوم، أيضا تصاعد أسهم مشروع المقاومة داخل أوساط الشعب الفلسطيني؛ خاصة عقب معركة سيف القدس، وتصدي فصائل المقاومة للقضايا الوطنية الكبرى كالقدس والأسرى وغيرها بعيدا عن الحديث عن غزة ومعاناتها، وهذا يحسب لغزة ومقاومتها، إلّا أنّ النجاحات التي حققتها قيادة مشروع المقاومة تبقى محدودة في ظل قيادة رسمية تسير في غير الاتجاه والمزاج الشعبي، فما المطلوب إذن؟
نداء الفصائل والقوى الشعبية بإصلاح منظمة التحرير لم تلق آذان صاغية عند قيادة المنظمة منذ سبعة عشر عاما، وكذلك الدعوات المتكررة لإجراء انتخابات شاملة ذهبت أدراج الرياح؛ فالقيادة الرسمية التي تعتبر قوتها في ضعفها في ظل قضم الضفة عبر المستوطنات، والتطرف الصهيوني نحو يهودية الدولة وغيرها؛ فقوة الشعب الفلسطيني تكمن في تبنيه لكل الخيارات المشروعة والمفاضلة بينهما حسب الضرورة، لذلك من الطبيعي وجود قيادة فلسطينية تتسلح بالشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل؛ تعتبر سلاح الشعب الفلسطيني نقطة قوة لا ضعف والدبلوماسية والمعارك القانونية وسيلتان مهمتان لا يمكن اغفالهما، فكيف تتأتي هذه القيادة؟
تمثل منظمة التحرير مكسبا فلسطينيا لا يمكن التخلي عنه، أو استبداله، بل يجب إصلاحها لتكون على قدر المسئولية، وإلى أن يتحقق هذا الإصلاح المطلوب من العمل على إنشاء كتلة شعبية وفصائلية تتبنى ميثاق المنظمة قبل تعديله، وتمثيل الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، تكون مهمة هذه الكتلة أو الجبهة استعادة روح المقاومة في الأوساط الرسمية، وسد الطريق أمام العابثين بمصير ومستقبل المنظمة، وأعتقد أن هناك أرضية قد تهيأت منذ سنوات تمثلت في اللجنة العليا لمسيرات العودة الكبرى وكذلك الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية؛ و الهيئة الوطنية لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل، كل هذه اللجان إذا انتقلت خطوة أو خطوتين للأمام؛ فإنها قادرة تأسيس كتلة أو جبهة قادرة على تمثيل المزاج الشعبي في إطار واحد.
أخيرا، قوة الفلسطيني تكمن في وحدته ووحدة قياده الشعبية والرسمية، لا انفصام بينهما، للوقوف أمام المشاريع الاحتلالية بكل قوة، وهذا ما نأمله من هذه الجبهة المنشودة