تماما كما الجدات اللواتي يحمين الأحفاد من اعتداء أي غريب، فعلت مقدسيات مسنات ومرابطات في المسجد الأقصى منذ ساعات الفجر الأولى، حين خرجن من بيوتهن لحماية المرابطين من اعتداءات المستوطنين.
ساعات صباح اليوم لم تكن عادية، فالحشود تتوافد على المسجد الأقصى لحمايته من مسيرة الأعلام التي يتجهز لها المستوطنون المتطرفون.
صور وفيديوهات كثيرة سربت لمقدسيات كبيرات في السن وهن يحاربن بالعكاكيز جنوداً مدججين بالسلاح وتمكن من إخراجهم من المصلى القبلي.
إحدى الجدات التي تكبر (إسرائيل) بسنوات، خرجت من المسجد القبلي ترهب بعكازها الخشبي ثلة من الجنود الذين حاولوا اقتحام المكان، لاحقتهم بخطواتها الثقيلة وهي ترفع عكازها في وجههم تقول " يلا امشي من هون".
هذه الجدة المقدسية التي تم تداول صورتها، وهي تطرد الجنود، ارتبطت بالأقصى وباحاته منذ صغرها، فعلى هذا المدرج لعبت، وهناك كانت تركض خلف أبيها وهو يصر على الانضمام للصفوف الأمامية مع المصلين، وتحت هذه الشجرة الكبيرة طالما قرأت القرآن منذ أن كانت صغيرة وغدت جدة كبيرة تأتي برفقة الحفيدات.
وليس بعيداً عن هذه الجدة، كانت أخرى رغم وهنها وضعف صحتها، تراقب مجموعة صهاينة متطرفين يحملون علم (إسرائيل) ويرقصون رقصات استفزازية ويرددون شعارات عنصرية، سارعت لمواجهتهم وهي ترفع شارة النصر وتكبر في وجوههم "الله أكبر".
بالقرب منها تقف المرابطة فاطمة الصوص وهي جدة أيضاً، تمكنت من دخول الأقصى رغم الحواجز العسكرية التي فرضها جنود الاحتلال لعرقلة وصول المقدسيين إلى المسجد، ورابطت تحت شجرة الزيتون التي شهدت الكثير من الأحداث الوطنية التي عايشتها.
هتفت وكبرت كثيراً: "اليوم لن يمروا اليوم (..) العلم الفلسطيني سيبقي يرفرف على الأقصى (..) نحن باقون كشجر الزيتون، نحن هنا محررون".
ولم يتقصر الأمر على الجدات فقط في حماية المرابطين، فها هو رجل تجاوز السبعين من عمره عكازه يرفع حذاءه في وجه الجنود ليوصل لهم رسالة "لن تمر مسيرتكم"، وليس ببعيد عنه، وفي أزقة البلدة القديمة المكتظة بالجنود اقتحم فلسطيني مسن مكان تواجدهم وهو يقول "يلعن أبوكم على أبو بينيت".
لم تنتظر الجدات المقدسيات إشارة الاستعداد، فقد رابطن منذ ساعات الفجر الأولى في باحة المسجد الأقصى والمسجد القبلي، يتصدين لكل جندي يحتمي ببندقيته، فتخرج إحداهن بعكازها الخشبي وخطواتها الثقيلة لتردد "اطلع من هون" وفعلا يتقهقر مجموعة من الجنود المقتحمين ويخرجون وهي تصوب لهم بعكازها وكلماتها المهينة لدولتهم.
تقول الناشطة المقدسية فاديا هاشم إنه بحسب العرف والعادة، فإن النساء المقدسيات وكبيرات السن يترددن على الأقصى من صلاة الفجر وحتى الظهر، حيث حلقات تحفيظ القرآن والتجويد، وبجانبهن المرابطات.
وتذكر الناشطة أن أماكن تواجدهن تكون ضمن حلقات علمية على المصاطب، حيث يتم دمجهن مع الصغيرات بهدف التواجد بالمسجد الأقصى من باب المتابعة الدينية /التعليمية، مشيرة إلى أن تواجد الجدات أصبح ركيزة مهمة لإضفاء التمسك بالمكان من منطلق عقائدي.
وأوضحت أنهن مع الوقت أصبح لديهن أساليب مواجهة والتفاف حول الممارسات "الإسرائيلية"، فلجوئهن إلى التشويش وإثارة الضجيج عند مرور واقتحام المستوطنين ضمن مسارهم بالمسجد له تداعيات وأثر عظيم.
وتعتبر أن مشاهدة التواجد والحراك النسوي داخل المسجد الأقصى محفز ودافع للكل المقدسي للدفاع عن الأقصى، مبينة أنهن يشكلن الخطوط الأولى في تسطير الصمود وحماية المسجد بفعل تواجدهن الذي يعرقل المخطط "الإسرائيلي".
وتؤكد هاشم أن الجدات هن جزء من قضية الدفاع، حيث لوجودهن رمزية مهمة للتمسك بالمقدسات وحماية الشباب أحيانا والمساعدة، وكذلك يمنعن اقتحام قبة الصخرة من خلال عرقلة مسير الاقتحام.
وترى أن تمسك السيدات بالرباط له دلالة على قدسية الواجب تجاه المسجد مما يشكل دافعاً للشباب والكل المقدسي للوقوف من أجل الدفاع عن السيدات، لافتة إلى أن تواجدهن له رمزية امتداد الهوية بالمكان الجغرافي وعمق الوعي بالصراع الدائر، ووجودهن يعني تثبيت حق ومواجهة فرض سيطرة ووضع يد على المسجد الأقصى.
وتعلق بلهجتها المقدسية: "ما بتخيل الأقصى بيوم دون المسنات/المسنين لما يعنيه من حقن وإرث لنا ويجب المحافظة عليه (..) بتذكر برنامج سيدي، كان يوميا يطلع من الصبح لصلاة الظهر على الحرم، ويكون ضمن مجموعة مسنين عم بقضوا الوقت داخل الحرم كمكان جمعي للكل ومن باب ملكيتنا وحقنا للمكان كثير، صور موجودة لسيدي ومجموعة من المسنين بالحرم".
وتختم قولها: "هذا إرث متوارث وقضية دفاع عن حقنا ووجودنا".