من يُصدق أن الكيان الاحتلالي المُسمَّى (إسرائيل)، يمكن أن يزول قريبًا، بالرغم مما وصل إليه من تطور على صعيد الترسانة العسكرية والتأييد والدعم الأمريكي والتطبيع العربي والتواطؤ الدولي؟.
(إسرائيل) التي ما زالت جاثمة على أرض فلسطين، منذ الـ74 عاما، يُروج لها على أنها تمتلك واحدا من أقوى الجيوش وأكثرها تطورا في العالم، إلى جانب اقتصاد قوي وصناعات دفاعية يتسابق العالم لشرائها واقتنائها، ما زالت تعاني الفشل في حسم الصراع والهزيمة في حرب السيادة على الأرض المقدسة.
صراعات داخلية بين التيارات اليهودية المتباينة تُنذر بتفكك (إسرائيل)، وكذلك صراعها على الثقافة والهوية المستقبلية لكيانها المسخ، إلى جانب تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية، وتحولها إلى ثقافة عامة ورأيا عامان كل ذلك يمهد لفكرة زوال (إسرائيل) قريبا.
لعنة "العقد الثامن" وزوال (إسرائيل)
توقع زوال (إسرائيل) قريبا، ليس استشرافا ولا تنظيرا، فحتى الإسرائيليون أنفسهم باتوا مقتنعين أنهم اقتربوا كثيرا من زوال كيانهم.
وعبر عن ذلك بوضوح إيهود باراك، الذي شغل سابقا منصب وزير الجيش ورئيس الوزراء (الإسرائيلي) حين كتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية حول ما أسماه عقدة "العقد الثامن" والمخاطر المحدقة بـ(إسرائيل).
يقول باراك: "إسرائيل في عامها الـ74، وهي بالعقد الثامن من حياتها لم تعد طفلة ويلزمها حسابا ذاتيا واستخلاص العبر من تجارب الماضي، لقد ولدنا هنا قبل نحو 3500 سنة.. لكن طوال الطريق، فقط في فترتين قصيرتين، قامت للشعب اليهودي سيادة كاملة في أرضه؛ مملكة سلالة داود وسليمان ومملكة الحشمونائيم".
ويعتبر باراك أن "العقد الثامن بشّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة.. في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل.. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعا لروما حتى خراب الهيكل الثاني".
واستطرد "المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ.. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية".
لماذا ستزول (إسرائيل)؟
ويوافق باراك في هذا الطرح الكاتب الصحفي آري شافيت، الذي استعرض -في كتابه "البيت الثالث" بالإشارة إلى "دولة إسرائيل"- كيف أصبح الإسرائيليون "العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية"، قائلا "يمكن مواجهة التحديات الأمنية، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه".
ويقر أن (إسرائيل) تشهد حالة تفكك داخلي ومحاولات من أجل إعادة تجميعها، قائلا "لن يكون هناك بيت رابع. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي".
ويقول شافيت "بالنسبة لي، إن إسرائيل معجزة من صنع الإنسان؛ فلم يقم أي بلد في العالم بما فعلناه. لم تحقق أي دولة ديمقراطية ازدهارا مثل دولتنا في مثل هذه البيئة المعادية. رغم كل الأعداء والحروب والمتاعب والفشل والأخطاء، فتحقق الحلم الصهيوني".
ويستدرك بالقول "لكن في السنوات الأخيرة، شعرنا جميعا أن شيئا ما قد حدث بشكل خاطئ. فعلى الرغم من أن إسرائيل قصة نجاح نادرة، فإنها ممزقة ومصابة وتتألم وتنزف. لقد فقدت طريقها وضلّت البوصلة".
توجسات وتخوفات باراك وشافيت، عززها الكاتب (الإسرائيلي) مايكل بريزون في مقال له بصحيفة هآرتس قال فيه: "لقد علمنا عالم اليوم أن بقاءنا مرهون بتشتتنا جغرافيا وعدم تجمعنا في نقطة جغرافية محددة، وأن التفرق أفضل لنا من الوحدة وأن العيش كجماعات أنسب لنا من العيش في ظل دولة خاصة بنا".
وتابع " أنا يهودي منفي وفخور.. أنا مواطن عالمي وليس لدي أي ارتباط مع مسقط رأسي الجغرافي.. و"الأرض" بالنسبة لي هي مجرد قاذورات يزرع عليها الطعام ويدفن فيها الناس، وليست لها أدنى ذرة من القداسة ولا تستحق أن تسكب من أجلها نقطة دم واحدة".
ويضيف الكاتب الذي يوقع مقالاته باسم "بي مايكل" أن "الشعب اليهودي أولا وقبل كل شيء ناجح في أن يكون شعبا، وهو كذلك منذ ألفي عام، "لقد كنا شعبا بلا قوة، بلا أرض، بدون جيش، بدون معبد"، على حد قوله.
وعندما نتحول إلى "أمة"، يقول بي مايكل، "نكون فظيعين للغاية، وسرعان ما نصبح أغبياء وعنيفين وجشعين مثل معظم دول العالم الأخرى، وما هي إلا فترة وجيزة حتى نجلب لأنفسنا الدمار والشتات من جديد، وهناك فقط، في المنفى، نستعيد الإحساس الذي فقدناه ونستأنف حقيقتنا كشعب على قيد الحياة".
يقول الإسرائيليون إن التاريخ أثبت أن "مملكة داود وسليمان"، وهي الدولة الأولى لليهود، لم تصمد أكثر من 80 عاما، وكذلك "مملكة الحشمونائيم"، وهي الدولة الثانية لهم التي انتهت في عقدها الثامن، في حين أن إسرائيل وهي "الدولة الثالثة" تزحف بجيل 74 عاما نحو العقد الثامن.