قائمة الموقع

فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا

2010-12-31T20:04:00+02:00

كان فرعون عليه من الله ما يستحق من اللعنات يقتل أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، وذلك بناء على رؤيا رآها فرعون في منامه, وخاف منها خوفاً شديداً، فنصحه السحرة والكهان للحفاظ على ملكه أن يقوم بقتل أبناء هؤلاء الذين سيخرج منهم من يقتلع فرعون وهم بنو إسرائيل، وكان فرعون قد بدأ بقتل الأجنة والأطفال من بني إسرائيل، ولما خاف الملأ من قوم فرعون ألا  يبقى أحد من الذكور في الآجيال القادمة يقوم على الأعمال المنوطة بهم من خدمة للأقباط وعمل في الأعمال الشاقة التي كانت تعهد إليهم، فأشاروا على فرعون ألا يقتل جميع المواليد الذكور، بل يقتل مواليد سنة ويترك مواليد سنة وهكذا. وقدر الله سبحانه وتعالى أن يولد هارون عليه السلام في العام الذي لا يقتل فيه الأطفال، وكان يكبر موسى عليه السلام بعام واحد، وكان موسى عليه السلام قد ولد في العام الذي يقتل فيه الأولاد، إلا أن سهم فرعون طاش وخاب، وكان مكره يبوراً، "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران : 54]" ولما وضعت أم موسى وليدها "موسى" خافت عليه أن يقتله الطاغية كما يقتل الأبرياء من الأطفال، فأوحى إليها رب العزة والجلال أن لا تخافي ولا تحزني، وأرضعيه، واصنعي له تابوتاً من الخشب واجعليه مهداً له، وألقيه في اليم، وسنرده إليك سالماً، لن يمسه شيء، ولن يغرق بل سنوصله إلى عدو الله وعدوه الذي يتهدد جميع الأطفال بالقتل والهلاك، وسيكبر موسى عليه السلام حتى يصبح نبياً ورسولا، وسيرسله رب العزة والجلال إلى فرعون ليرده عن غيه، وليكفه عن بطشه. قال تعالى: " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " [القصص : 7] وطمأنها الوحي بإعادته إليها، وقال تعالى أيضاً: "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " [طه : 39] وسيلقي عليه محبة منه سبحانه، بحيث إذا نظر إليه الناظر سيحبه، وسيألفه، وهذا ما حصل من آسية زوجة فرعون، ما إن رأته حتى أحبته، إنه جنين صغير، مولود بريء، محبوب كيف لا وامرأة فرعون لم يكن لها ولد، قال تعالى: " وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" [القصص: 9] وضغطت سيدة القبط الأولى على سيد القبط الأول، ليتخذه ولداً، فأذعن فرعون ونسي ما اتخذه من قرار بقتل الأطفال في هذا العام. ومن مكر الله سبحانه وتعالى بفرعون أن جعله يربي موسى في قصره وعلى البلاط الفرعوني، فحرم عليه المراضع، ولم يقبل الطفل موسى عليه السلام على أي مرضعة، حتى أعاده الله إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن, قال تعالى:" وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] ولأن قلب الأم لا يهدأ حتى ترى وليدها وتطمئن على حياته، فطلبت من أخته أن تراقب مسير التابوت في نهر النيل. قال تعالى: "إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ."وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه : 40]

وكبر موسى عليه السلام في قصر فرعون، وكل الشعب من الأقباط يعتقدون  أن موسى ابن لفرعون، إلا أن بني إسرائيل كانوا يعلمون أبناءهم أن موسى من بني إسرائيل وليس ابناً لفرعون. ولذا عندما ذهب موسى عليه السلام – حيث كان غلاماً فتياً وبلغ أشده – إلى المدينة، ومر بسوقها وجد فيها رجلين يقتتلان، وكان أحدهما قبطياً والآخر إسرائيلياً، وكان القبطي يضرب الإسرائيلي ضرباً مبرحاً، حيث كان الإسرائيليون مستضعفين في الأرض، فما إن رأى الإسرائيلي موسى عليه السلام  فإذا به يستغيث به على القبطي، فلما سأل موسى القبطي: لم تضرب هذا الرجل المسكين، فإذا بالقبطي يقول لموسى وهو لا يعرفه: وما دخلك أنت، وكان موسى عليه السلام فتيا قوياً، فلم يتحمل كلام القبطي، فوكزه موسى بضربة واحدة فقضى عليه. فندم موسى عليه السلام ندماً شديداً على فعلته، واستغفر ربه فغفر له, قال تعالى: "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ [القصص : 15] ورفع موسى يديه إلى السماء مستغفراً وتائباً ونادماً على ما أقدم عليه. قال تعالى: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16] ولما وصل الخبر إلى فرعون أن قبطياً قتل في المدينة، ولم يعرف قاتله، استدعى وزراءه وخاطبهم قائلاً: لا يقتل عندي أن تسجل جريمة ضد مجهول، وعليكم أن تبحثوا حتى تصلوا إلى القاتل. وقدر الله سبحانه وتعالى أن يعود موسى إلى المدينة في اليوم التالي، ليجد الرجل الإسرائيلي نفسه يتشاجر مع قبطي آخر، فلما عرفه، وأخبره بأنه شرير، وكل يوم له مشكلة، وأراد أن يبعد عنه القبطي، فظن الإسرائيلي أن موسى سيضربه، فإذا به يقول :" فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [القصص: 1] فعرف القبطي أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس، فأوشى إلى الجهات المختصة، ورفع التقرير من الوزارة إلى فرعون في جلسة خاصة، وقيل لفرعون، هل تنفذ أحكام القانون على جميع الرعية ؟ فأجاب فرعون بالإيجاب، طبعاً وهو لا يعلم أن المطلوب هو ولده موسى كما يشاع بين الأقباط. فسألوه: حتى لو كان القاتل ولدُك ؟ فقال: نعم. واتخذت الوزارة قراراً بقتل موسى عليه السلام، ووصل الخبر إلى موسى عن طريق الخدم الذين يخدمون في القصر الفرعوني، ويقدمون الخدمات للوزارة والوزراء، وهم الذين استمعوا إلى القرار الذي اتخذوه، فأخبروا موسى عليه السلام قال تعالى: "وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:20- 2] وأصبح موسى عليه السلام مهموماً خائفاً، فنجاه الله من الغم، وأمده بسطة في الجسم. قال تعالى ممتناً على موسى مذكراً له يوم أن أرسله إلى فرعون، بأن رعاية الله سبحانه وتعالى كانت معه منذ ولادته، حتى بعد أن قتل القبطي، فنجاه الله من الغم والهم، لأن القاتل لا يعرف النوم، ولا يهدأ به بال ولا يطمئن على حال:"وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه:40] ولبث ما قدر الله له أن يلبث في أهل مدين، حيث قد تزوج ابنة الرجل الصالح على أن يخدمه ما بين ثماني إلى عشر سنين ، " فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [القصص: 2] وكانت هذه البداية في رحلة العودة إلى أرض وادي النيل، وهناك تلقى موسى عليه السلام بدء الرسالة، وآتاه الله من الآيات العظيمة التي تدلل على صدق رسالته ونبوته. قال تعالى: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [القصص:30- 32]

يتبع ...

اخبار ذات صلة
«بيبي».. لمَ أنت صامت
2010-10-26T07:12:00+02:00