خرج علينا وعلى العالمين موقع ويكيليكس (Wikileaks) الأمريكي الصنع والتدبير ، ليبث على العالمين ما كان من مراسلات بين بعض الدول عبر وزاراتها الخارجية ، وبين وزارة الخارجية الأمريكية ، أو سفاراتها المنتشرة فوق سطح المعمورة ، وقد مكثت وزارة الخارجية الأمريكية أربعة أسابيع وهي تتحاور كيف تفعل لتمنع موقع ويكيليكس (Wikileaks) من تنفيذ ما عزمت على تنفيذه من إفشاء أسرار المراسلات بين المذكورين سابقاً ، إلا أنها فشلت في التوصل إلى أي شيء يمنع صاحب موقع ويكيليكس (Wikileaks) جوليان أسانج من تنفيذ ما أصر إلى إخراجه إلى الشبكة العنكبوتية ( الإنترنيت ) . ولقد كشف الموقع اللثام عن دور سلطة فتح في رام الله ، وكذلك دور حكومة مصر في العدوان الصهيوني في حرب الفرقان على قطاع غزة ، حينما ذكرت إحدى البرقيات السرية التي كشفها موقع ويكيليكس (Wikileaks) أن وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك كشف لأعضاء من الكونجرس الأمريكي في حزيران / يونيو 2009م أن الدولة الصهيونية تشاوزت مع مصر ورام الله قبيل الحرب على القطاع ( يعني حرب الفرقان ) وهذا مما لا شك فيه ليؤكد تواطؤ سلطة فتح في رام الله وكذلك حكومة مصر في القاهرة في العدوان على القطاع .
وإن كان هذا ليس بجديد علينا ، لأنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع أن مؤسسة ( شركة ) مصرية كانت تزود الجيش الصهيوني الإمداد اللوجيستي ( الطعام والشراب ) وتأكدنا من ذلك عن طريق العبوات التي وقعت تحت أيدي المجاهدين بعد انسحاب الجيش الصهيوني من مواقعه التي كان متمركزاً فيها . وقد تضمنت الوثائق برقية دبلوماسية موثقة في 2009م عن اجتماع إيهود باراك مع أطراف فلسطينية وأخرى مصرية لتنسيق الحرب على غزة .
كما كشفت الوثيقة أن حكومة مصر وسلطة رام الله رفضتا السيطرة على غزة ( القطاع ) في حالة هزيمة حماس في الحرب التي شنتها حكومة الصهاينة على غزة وأسمتها ( الرصاص المصبوب ) في 27/12 ديسمبر 2008م واستمرت (22) اثنين وعشرين يوماً . وكم تنفس الخونة الصعداء عندما قرأوا ما كتبه موقع ويكيليكس (Wikileaks) بعد أن كانت أيديهم على قلوبهم ، وحبسوا أنفاسهم عندما تسربت أنباء عن وثائق تخص الشأن الفلسطيني سينشرها موقع ويكيليكس (Wikileaks) واعتقدوا أن غسيلهم القذر سيجري نشره أمام القاصي والداني .
إلا أن أحد أبطال كتابهم لم يطمئن كما اطمأن السفهاء قائلاً : من جهتي وبسبب تفاؤل الفسطاط بأن الوثائق الدامغة آتية لا محالة ؛ تخوفت أن يفضحنا واحد أو اثنان أو ثلاثة من جماعتنا ، يكونون قالوا للأمريكيين كلاماً خيانياً ، وفي الحقيقة أضمرت ولا زلت أضمر المطالبة بمحاكمة علنية لكل من يتضح أنه خرج عن قيم العمل الوطني والتزاماته وأخلاقياته ، فكتب أو قال للأمريكيين شيئاً مخالفاً لقواعد السياسة الفلسطينية ، وإن لم يحاكم سأتقدم باستقالة مسببة ، لأن التخوين سيكون عندئذ بجريرة خائنين. أهـ. وكأني بالكاتب لم يسمع بمن تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أراضيهم التي طردوا منها ، وكأني به لم يسمع بمن يدافع عن يهود بقوله : أين يذهبون إذا رجع الفلسطينيون إلى أرضهم . وكأني به لم يسمع بمن يطالب بإطلاق شاليط دون مقابل لإبداء حسن النية ، في حين لم يطالب بإطلاق الحرائر ولا (8000) ثمانية آلاف أسيراً ومعتقلاً في سجون الصهاينة ، ماذا يقول لأمهات الأسرى الذين ينتظرون خروج أولادهم وأزواجهم بصفقة التبادل ؟! والتي سيفضح الله بها تقاعس هؤلاء المغتصبين للحكم في الضفة الغربية عن نصرة دينهم وشعبهم ووطنهم .
وقد يخرج لنا موقع ويكيليكس (Wikileaks) وثائق جديدة تثبت تورط أمثال هؤلاء في عدم الإفراج ، وتأخيره خوفاً من أن يكون ذلك نصراً لحماس ، وزيادة لشعبيتها التي تزداد يوماً بعد يوم .
مع أننا على يقين ما كان ليجرؤ جوليان أسانج مهما سمحت له الديمقراطية المزيفة من فسحة لنشر ما قد تسرب إليه عن طريق الضابط الأمريكي المعتقل ، لولا أن الإدارة الأمريكية راضية عن كشفها ، وتريد أن تبين للعالم أنها تملك نواصي المحكمين في البلاد الأخرى ، والتي جاء على ذكرها موقع ويكيليكس (Wikileaks) ، ثم هي تريد أن تبين للذين لا يفهمون بعد ، أنهم لا يساوون قطميراً عند الرئيس الأمريكي أوباما ، ولا عند وزيرة خارجيته كلينتون ، وليسوا مستعدين لأن يغلقوا موقعاً أو مؤسسة مهما كانت صغيرة أو حقيرة في نظرهم ليرضوا من باتوا في قبضة المخابرات الأمريكية تلعب بهم ما تشاء ، ولا يستطيعون عنها غنىً كما قال بعضهم .
ولذا يخرج علينا وزير الدفاع الأمريكي ليقول بملء فيه : أن هذه الدول والحكومات قد ارتبطت بنا ارتباطاً وثيقاً ، ولن يؤثر على العلاقة ما بيننا وبينهم مثل هذه الوثائق التي قطعاً ستفضحهم ، إلا أنهم سيقعون تحت طائلة واحدة من ثلاث : إنهم يخافوننا وبالتالي لن يستطيعوا عمل شيء ما ضدنا أو الانفكاك والانعتاق من مدارنا ، والثانية : إنهم يحبوننا ، وإن المحب لمن يحب مطيع ، وإن قصر معه محبه أو سمع منه ما يؤذيه لبعض الوقت ، والثالثة : إن مصالحهم مرتبطة بنا ولذا لن يكون لهذه الوثائق أي تعكير على صفو العلاقة ما بيننا وبين كل من ذكر في هذه المراسلات . مع العلم أننا على يقين أن بعض الوثائق تعبر عن تقارير يرسلها المعنيون لوزارة الخارجية الأمريكية يقيِّمون فيها وضعاً كما يظنون أو يتوقعون .
ولكن المهم في الأمر أن بعض المطبلين والمزمرين للطغمة المتحكمة في رام الله وبعض كتبة المقالات في مقالاتهم ومواقعهم الإعلامية وصحفهم الرسمية اعتبروا أن ما جاء في هذه الوثيقة المرسلة من السفارة الأمريكية في تل الربيع إلى خارجيتها في واشنطن حتى الآن تبرؤهم من الخيانة ومن الاتهام بالتواطؤ لأن الوثيقة تؤكد رفضهم لاستلام القطاع بعد حرب الفرقان . مع أن ما قاله الصهيوني باراك يدينهم ، إنه يشاورهم في الأمر ، لأن الأمر يهمهم على درجة واحدة ، ألم يقل قائد الأمن الوطني عندهم للعدو : إن إسرائيل ليست عدواً لنا ، ولكن عدونا وعدوكم واحد وهو حماس . ثم ألا يدينهم بأنهم على علم مسبق بالعدوان ، وانتظروا نتائجه ، دون أن يقدموا على فعل أي شيء لمنعه أو التحذير من وقوعه ، بل إن تناغمهم مع وزير خارجية مصر أبو الغيط بقوله : "خليهم ؛ ما قلنا لهم ما سمعوش " وإن عدم رغبتهم باستلام القطاع بعد ضربه من الصهاينة سيكون مرفوضاً من الشعب الفلسطيني ، مع أننا على علم يقيني بأن بعض القيادات الفتحاوية من تحرك برجاله ليكون على حدود القطاع الجنوبية في انتظار سقوط حكومة الشعب المقاوم . فأي شرف تدعونه في هذه الوثيقة لا ولن يغسل عاركم .