قرية رأس جرابة أكبر عمراً من الاحتلال، لكن أهلها يعانون من التهديد بمصادرة أراضيهم لأجل توسعة مدينة ديمونة اليهودية المجاورة لها، ولأجل الوصول إلى قرية رأس جرابة، يجب على المار أن يعبر من خلال عالمين متناقضين. مدينة ديمونة الاستيطانية بأنوارها المضاءة، وعمائرها العالية، وشوارعها المرصوفة، ثم ستقودك قدماك إلى عالم آخر، عالم قرية رأس جرابة حيث لا كهرباء، ولا بنى تحتية، ولا شوارع، بل خيام منصوبة على رمال حارة، لا مقومات لحياة حقيقية؛ لأن القرية ببساطة مسلوبة الاعتراف.
في الليل، يراقب سكان القرية مدينة ديمونة اليهودية المجاورة، التي سلبت منهم يوما لأنهم يرفضون الهجرة وترك أراضيهم، لأن الشرط أن تسلم قريتك لتنضم إلى ديمونة الاستيطانية مقابل أن تبقى حياً، وهكذا يظل أهالي أبو جرابة يقاومون بطريقتهم، دون أي مقومات، رافضين التخلي عن الأرض والتاريخ.
أرض تعرف أصحابها ويعرفونها، ويرفضون أي عوض لهم حتى لو كان في أرقى العمائر، لأنهم يعيشون حياة ورثوها أباً عن جد، وعليهم أن يظلوا باقين للأبد: "احنا ساكنين هان قبل ديمونة" هكذا يردد فريج الهواشلة، شيخ قرية رأس جرابة، مذكراً أن أرض مدينة ديمونة الاستيطانية بالأصل ملك لعائلة الهواشلة لكن الاحتلال صادر 36 ألف دونم من القرية لصالح بناء مستوطنة ديمونة.
مواطن آخر يقول "عمري 56 عاماً ووالدي مولود في هذه الأرض عام 1935 عمره أكبر من عمر (إسرائيل)".
قرية رأس جرابة الآن يعيش فيها ما لا يقل عن 500 نسمة دون كهرباء ودون ماء، وعليك أن تسير 10 كيلو مترات للوصول إلى المدرسة أو المستشفى الأقرب، ولا زال أهلها يواصلون نضالهم لأجل البقاء في قرية آبائهم وأجدادهم.
أعطى الاحتلال الأهالي أوراقا للاعتراف بأرضهم قبل سنوات، ثم سُلبت منهم بل وصلهم أمر بالإخلاء من المحكمة الإسرائيلية، فلجأوا للمحاكم يريدون استعادة حقهم موكلين المركز الحقوقي "عدالة" في 10 دعاوى إخلاء متشابهة قدمها ما يسمى "سلطة أراضي إسرائيل" ضدهم عام 2019.
وتدعي سلطة الأراضي التابعة للاحتلال أنّ أهالي رأس جرابة يقيمون بشكل غير قانوني واصفة إياهم بالمتسللين والغزاة!!. لم ينكر الاحتلال أن الهدف من إخلاء القرية هو توسيع ديمونا وتخطيط حارة سكنية جديدة بحجة أن إزالة القرية يخدم "المصلحة العامة".
ويقول المحامي مروان أبو فريح المسؤول عن ملف قضية الأهالي في مركز عدالة في مقابلة مع الرسالة: "هناك 37 قرية في النقب غير معترف بها لصالح إقامة مستوطنات ومشاريع استيطانية رغم أن الأهالي يمتلكون أوراقاً، مضيفا: "لكن معهم أو ما معهم أوراق فهذا لا يعني الكثير لاحتلال اغتصب أراضي الأهالي، فأهل العراقيب يمتلكون أوراق ملكية لكن ذلك لا يعني شيئاً لدى الاحتلال".
ويضيف أبو فريح: "قبل النكبة عاش أهالي رأس جرابة على أراضي عشيرة الهواشلة ثم جاء الاحتلال ليصادر الأراضي ويطرد الأهالي ويعتبرهم غزاة ويحاولون اليوم بناء حي استيطاني جديد دون إعطاء إي نوع من الحقوق للأهالي".
ويشدد أبو فريح على أن هذا الموقف اعتراف بأن إخلاء القرية لا صلة له بالقانون، فهذا هو الاحتلال وهذه سياسة الاستيطان كما يقول أبو فريح، مؤكداً أنه قرار سياسي تمييزي مبني على مبدئي الفصل العنصري والاخلاء القسري اللذين يهدفان لتهويد النقب.
ويلفت إلى أن هذه السياسات ليست جديدة، بل كانت تنتهجها (إسرائيل) منذ النكبة كما يحدث في أم الحيران والبقيعة داخل الخط الأخضر، وخان الأحمر، ومسافر يطا وغيرها في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.