كما في كل ليلة، دعت مساجد جنين للنفير العام، كما اعتادت منذ عام مضى، لأنها أصبحت هدف الاحتلال ووجهته، وبالأمس كانت يعبد إحدى قرى المحافظة، هدفاً لجرافات الاحتلال بمدرعات تحمل أكثر من 500 جندي (إسرائيلي) قاصدة بيت الشهيد ضياء حمارشة.
ضياء، الذي اقتحم أشهر شوارع تل أبيب وحده وأسقط خمسة قتلى، في عملية بطولية، يرد الاحتلال باقتحام منزله ب 500 جندي مدججين بآليات عسكرية لتفجير المنزل، كعادة الجبناء حينما يسقطون نار غضبهم على الحجارة.
وفي الطريق إلى يعبد لا تعطي جنين فرصة لمحتل بدون مقاومة، يقاوم شبابها فيرتقي بلال كبها في الطريق المؤدية إلى منزل حمارشة، وتنتهي الليلة الساخنة بثلاثة شهداء آخرين في أماكن متفرقة من الضفة.
يكره الاحتلال (الإسرائيلي) جنين، وكر الدبابير -كما يصفها- لأن نارها تنتقل مسرعة إلى المدن الأخرى. منذ احتلال الأرض عام 1948 وهي تقاوم كشوكة ترفض السلام والاستلام وترفض دونا عن كل المدن أن تسقط، فإن هدأت الضفة تخرج جنين لتفجر غضبها بعملية تهز كيان المحتل.
كما أن سياسة التنسيق الأمني لم تصل إلى حواري جنين ومخيمها، والسلطة لا ترسل جنودها إلى هذا المخيم بالذات، خوفا من ردود الفعل الغاضبة، ليكون المخيم مأوى لكل المقاومين يحميهم ويحمونه.
جنين تنجب الأبطال، ففي نهاية شهر مارس الماضي، تمكّن الشاب الفلسطيني ضياء حمارشة، صاحب الـ27 عاماً، من قتل 5 (إسرائيليين)، بعد عملية إطلاق نار نفّذها في مدينتي "بني براك" و"رمات غان".
بعدها بأيام الشاب رعد خازم الملقب بسايبر مخيم جنين الذي حول " تل أبيب" إلى مدينة للرعب، ليترك خلفه اثنين من القتلى و14 جريحاً جراح بعضهم لا زالت خطيرة، بينما تحولت تل أبيب إلى مدينة للرعب.
عمليتان لا يفصل بينهما زمن يذكر، جعلتا الاحتلال يشتغل في المخيم والمدينة كل ليلة، حسب عماد أبو عواد الصحافي والمحلل السياسي من الضفة الغربية وقال للرسالة: "هناك ارتفاع بنفس المقاومة في جنين أكثر من غيرها، هناك كتيبة تواجه الاحتلال بشكل منظم رغم سياسة الاحتلال التي تنكل بالمدينة ومخيمها"
مضيفا:" الاحتلال لديه مخطط كبير لكنه بطيء لتفريغ المدينة من الكفاح والمسلحين وهناك كثير من العمليات تخرج من جنين وبالتالي لديه مخاوف كبيرة من جنين بالذات لأنه جربها عبر التاريخ النضالي الكبير.
يخاف الاحتلال من ظاهرة التنظيم الذي يتشكل بانتقاله الى مدن أخرى، وقد بدأ فعلا بنابلس وطولكرم والحقيقة أن السلطة لا تسيطر على جنين، ولا سيطرة للسلطة إلا على رام الله فعليا وكلما زالت المواجهات وهذا ما يحدث عندما يفقد الاحتلال سيطرته فعلياً على المكان، على حد تعبير أبو عواد.
هناك المئات ممن يشاركون في إلقاء الزجاجات الحارقة فيما وصفه أبو عواد بالانتفاضة المتقطعة وهذا ما يصعب السيطرة عليه على حد قوله، وهذا ما يعيد المخيم إلى الواجهة مجدداً في الضفة الغربية وكأنه يطلق انتفاضة لوحده.
صلاح حميدة محلل سياسي من جنين ذكّر في مقابلة مع الرسالة بتاريخ جنين الطويل المقاوم بدءا بالاحتلال البريطاني وحتى الاحتلال الإسرائيلي وحتى اتفاقية أوسلو التي لم تستطع أن تجعل جنين ترضخ بسهولة مستسلمة لكذبة المفاوضات، مستعرضا التاريخ الطويل للنضال في حرب 48 ، ثم جماعة الفهد الأسود التي كان موقعها الرئيسي جنين، وصولا إلى أحداث عام 2002 وهي تورة ممتدة الجذور في المدينة والمخيم على حد تعبير حميدة.
يخاف الاحتلال من جنين ومخيمها كما يقول حميدة لأنه يخاف من تكرار نموذج غزة في أي مدينة أخرى في الضفة فيفقد الاحتلال السيطرة على المنطقة، مضيفا:" وما يجري في جنين هو شيء مقلق لكل دوائر صناعة القرار وهو بالتأكيد يسعى لمنع حالة الثورة من التطور وهناك قرار واضح لدى الاحتلال بعدم السماح لأي حالة بالنمو لأن غزة أصبحت هاجسا وتجربة مخيفة بالنسبة لهم، فلو تكرر في الضفة سيفقد الاحتلال السيطرة"