الحقيقة التي لا تقبل الشك أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيموت عاجلاً أو آجلاً وإن كان بقراءة المشهد من حيث المقدمات الموجودة أنه إلى القبر أقرب منه إلى البقاء على الكرسي ، و واضح بأن مسألة وفاته باتت الشغل الشاغل في الفترة الأخيرة مع سيطرة حالة من التكتيم الإعلامي على صحته وما آلت إليه مع تقدمه كثيراً في السن .
من يقرأ التاريخ جيداً ويطّلع على الدور الذي قام به "عباس" في المنطقة يتأكد بأن هذا التكتيم وهذا التردد في توضيح أحواله الصحية مقصود وليس فقط من قبل السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح في المقاطعة برام الله، فهؤلاء مجرد أدوات معروفٌ من يقوم بتحريكها كيفما شاء وفي الوقت الذي شاء .
لا أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي سيتجاهل الخدمات الجليلة التي قدمها محمود عباس للكيان الإسرائيلي طوال سنوات حكمه وما قبلها ، وهم ذاتهم من يفضلون أن يمتد عمره سنواتٍ عديدة لعله بوجوده يساهم معهم في تجاوز كيانهم عتبة الثمانين سنة ولكن في النهاية " لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ". صحيح بأنه كان الحريص على رفاهية الشباب الإسرائيلي ، وصحيح بأنه تخلى عن حق العودة ، وصحيح بأنه قتل كل ذراعٍ امتدَّت للمحتل بسوء ، لكنه في النهاية تجاوز التسعين سنة ومن وصل لهذه العتبة من العمر فلا مجال إلا أنه في أيامه الأخيرة .
وجود "عباس" على كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية هو المسمار الأخير الذي يُمسك بزمام قيادات حركة "فتح" ويمنعها من البدء باشتباكات لنهش أكبر قدرٍ ممكن من كعكة المقاطعة ، رغم إدراكهم بأن هذا الاشتباك الداخلي سيخدم في نهاية المطاف فصائل المقاومة الفلسطينية التي ستحاول الإفلات من عقال سلطة التعاون الأمني لتقوم بدورها في مقاومة الاحتلال في غمرة الاشتباك الفتحاوي الداخلي القادم للساحة لا محالة .
ما تقدم يدفعنا للتساؤل: هل مات عباس حقاً ؟ ولماذا هذا التكتيم على صحته ؟ ولماذا بين الفينة والأخرى يتم تسريب معلومات حول صحته أو وفاته ؟
المسألة بهذا الخصوص مقصودة ، فهي مجرد بالونات اختبار يتم من خلالها استهداف قيادات حركة "فتح" في المقاطعة ، والهدف باختصار لجس النبض ومعرفة التوجهات لتلك القيادات . سباق التسلح وتجنيد العناصر واستمالة أطراف داخل حركة "فتح" الذي تمارسه قيادات المقاطعة وبكافة تفاصيله موجود على مكاتب قادة الاحتلال وبخاصة "المنسق"، لكن لا تزال هناك شكوك لدى الاحتلال بمقدرة قيادي فتحاوي معين على حسم معركة الصراع لصالحه ، بل لو كان يقيناً لدى الاحتلال بإمكانية الحسم لقائد على حساب الآخر فكان بالإمكان تمهيد الطريق أمام مغادرة "عباس" للمشهد وقدوم آخر محله أكثر شباباً وسخاءً للاحتلال .
الواضح أن قيادة المقاطعة أمام أزمة حقيقية وهي واقعة لا محالة فيها ، فما هو المسوغ الدستوري لمن سيتسلم دفة القيادة من بعد "عباس"؟ البعض يرد بسؤال آخر : وهل كان هناك مسوغ بتعيين حسين الشيخ أمين سر لمنظمة التحرير الفلسطينية ؟
صحيح تم تعيين الشيخ لذلك المنصب لكنه لم ينل على ثقة فصائل منظمة التحرير أو غيرها من خارج المنظمة مع دوره العلني في قيادة سفينة التعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي .
الاحتلال الإسرائيلي يريد خليفة قوياً يجلس على عرش المقاطعة في رام الله ويضبط المشهد الفلسطيني "كالعادة لصالح الاحتلال" لكن كافة الخيارات الموجودة على الطاولة ورغم أنها قوية لكنها ستنزلق في اشتباكات فتحاوية داخلية كلها عيونها على "عرش المقاطعة" هذا إلى جانب أن قوتها لا يمكن أن تمنحها شرعية لتطبيق قرارها على قطاع غزة وأجزاء ليست صغيرة من الضفة الغربية المحتلة .
أخيراً ، وإن كنا نعيش في هذه اللحظات ونستعد لإعلان وفاة "عباس" عاجلاً أو آجلاً ، فينبغي أن نكون مستعدين لسيناريو إعلان الوفاة في أي لحظة ، والسيناريو ينبغي ألا يكون فيه مكان لحديث عن شرف الخصومة أو "كرم الأخلاق" كأسلوب للتعامل مع حدثٍ مقبل لا محالة، فهذه قيم ومبادئ حينما يتعامل بها الأحرار والشرفاء سيعتبرها أصحاب تيار التعاون الأمني تنازلاً وركوعاً من الأحرار لإرادتهم ونهجهم الساقط ، فلا تطلبوا من المظلومين في الشعب الفلسطيني "وما أكثرهم" المسامحة والدعاء بالمغفرة لمن أدار ظهره كثيراً لهم .