بعد أن احتلت الضفة وأنشئت فيها المستوطنات، واجهت دولة الاحتلال أزمة قانونية تتعلق بالقوانين التي سيخضع لها المستوطنون داخل المستوطنات المُقامة على أراضي الضفة، فهي لا تريد أن تخضعهم للقوانين السارية في الضفة، وهي القوانين الأردنية، أو قرارات الحاكم العسكري التي تصدر باسم قانون لساعات الطوارئ أو قوانين الطوارئ التي أصدرها الانتداب البريطاني، لأن المستوطنين إسرائيليون يتمتعون بحقوق المواطنة الإسرائيلية.
ولأنها لم تضم المستوطنات مثلما فعلت في القدس وهضبة الجولان؛ ابتدعت قانون طوارئ خاصًا بالمستوطنين، وجعلته مؤقتًا لتجنب مُعضلات قانونية دولية، وللتحايل على القانون الدولي، وعلى الخلافات الداخلية بشأن مستقبل الضفة ومستقبل المستوطنات، ولذلك كان يجب أن يُدرج تحت بند قوانين الطوارئ المؤقتة، وتم تحديد مدته بخمسة أعوام، ومنذ أن سُنّت هذه القوانين تُجدد تلقائيًا، تقريبًا كل خمس سنوات بالأغلبية العادية، وجرت العادة أن تمرر في الكنيست بأغلبية لا تتجاوز الـ 30 صوتًا، ولم تكن في حينه تثير أيّ ضجة سياسية.
وفي الـ 30 من يونيو الجاري، يجب أن يتم تجديدها مرة أخرى لخمس سنوات، وفي حال عدم تجديدها ستنشأ فوضى قانونية كبيرة بالنسبة للمستوطنين، وبحسب القانون سيفقدون الكثير من حقوقهم؛ حيث سيُعتبرون خارج حدود الدولة، وسيُحرمون من حق الانتخاب، بالإضافة للكثير من الحقوق، بما في ذلك القبول في الوظائف وإصدار بطاقات الهوية وكل الحقوق المدنية، بما فيها الخضوع لإجراءات المحاكم الدنية داخل إسرائيل.
قانون الطوارئ الخاص بالمستوطنين وصفته الكثير من المنظمات الحقوقية الأممية بأنه قانون تمييزي، وهو شكل من أشكال الأبرتهايد.
لكن في هذه الدورة التجديدية للقانون، يصادف أن الائتلاف الحاكم يستند إلى حزب عربي، ويعاني من كونه حتى بأصوات حزب منصور عباس لا يتمتع بالأغلبية، وأن لدى المعارضة القدرة على إسقاط القانون، والمعارضة - في أول مرة في تاريخها - ستصوّت ضد قانون يخص المستوطنين وذي بعدٍ أمني، لأن المعارضة أعلنت الحرب على الائتلاف، بغض النظر عن طبيعة القوانين، وأنها توقفت عن منح شبكة الأمان للائتلاف مثلما فعلت في قوانين سابقة.
المعارضة تدرك أن سقوط القانون سيعني تفكيك الائتلاف ووصوله إلى نهايته، لا سيما وأن ساعر (وهو وزير القضاء، ورئيس حزب "أمل جديد") حذر من أن سقوط القانون يفقد الائتلاف مسوغات وجوده، وهدد بأن عدم تصويت أو امتناع أي من أعضاء حزب منصور عباس عن التصويت لصالح القانون يعني عدم قدرتهم على مواصلة البقاء داخل الائتلاف.
تهديدات ساعر أدخلت الحلبة السياسية في حالة توتر شديد، حيث اعتبر التصويت على القانون تحدٍ كبير للائتلاف، يعني بقاءه أو تفككه، لا سيما في ظل التقارير عن وجود حوارات سرية بين ساعر ونتنياهو عبر وسطاء من قِبل الطرفين لتشكيل ائتلاف بديل في ظل الكنيست الحالية بامتيازات كبيرة لساعر؛ وهو أمر نفاه ساعر، لكن "الليكود" لم يعلق على الأمر.
المستوطنون أنفسهم طالبوا "الليكود" بعدم منح القانون شبكة أمان، وعبّروا عن قدرتهم على دفع ثمن عدم تجديد القانون في حال تسبب ذلك بحل الائتلاف. من جانبها، بعض وسائل الإعلام أفادت بأن "الليكود" يضغط على مازن غنايم (أحد أعضاء حزب منصور عباس) بالامتناع عن التصويت لصالح القانون.
حزب منصور عباس مرة أخرى في عناوين الأخبار، في محاولة لقراءة اتجاهات تصويته فيما يخص القانون.
عقد الحزب مجلس الشورى الخاص بهِ لاتخاذ قرار، ويبدو أن الأمر لا زال غامضًا، في المجلس دافع منصور عباس عن موقفه بأن الحزب يجب أن يلتزم مع الائتلاف والتصويت على كل ما كان قائمًا سابقًا وليس فيه تغيير للوضع القائم، لكن الحزب مع ذلك واقع في حيرة كبيرة؛ فهو يخشى أن يصوت لصالح القانون ولا ينجح الائتلاف في تمرير القانون، وفي هذه الحالة سيدفع الحزب الثمن مرتيْن. من جهته، مازن غنايم لا زال لم يحسم أمره بعد.
اليوم سيتم التصويت على القانون، ويسعى بينت لأن يكون التصويت على القانون تصويت بالثقة، أي أن يفرض على جميع مكونات الائتلاف - بما في ذلك عيديت سيلمان، التي انشقت عن الائتلاف - بالتصويت لصالح القانون لا التصويت ضده.
عندما يكون تصويت بالثقة، فإنه يمنح الائتلاف شرعية للإعلان عمّن يصوت "ضد" بالانشقاق، وهو أمرٌ يضر بالمستقبل السياسي للمعلن عنه كمنشق.
الإسراع بتقديم القانون للتصويت اليوم هو لمنح الائتلاف الوقت وعدد من المحاولات حتى نهاية الشهر، لكي يضمن إقرار القانون قبل انتهاء المهلة المحددة.
أطلس للدراسات