قائد الطوفان قائد الطوفان

الأجراء عند الاحتلال

بقلم النائب د. سالم سلامة

نائب رئيس رابطة علماء فلسطين                  

الأجراء هم الذين يعملون عند غيرهم على ثمن معين لقاء اليوم أو الساعة أو الشهر أو السنة ، وما إن ينتهي الأجير من عمله المنوط به حتى يستحق الأجر الذي اتفق عليه . ومن الأجراء من يوفي عمله على أحسن ما يكون ، فيكون استحق الأجر عند الله قبل أن يستحق الأجر عند صاحب العمل ، ومنهم من لا يحسنه ولا يجيده ، فيكون غير مستحق لما اتفق عليه من أجر ، ومن الممكن أن يلاحقه صاحب العمل ، ويخصم من أجره بقدر ما أتلف أو يأتي بمن يصلح ما أفسد العامل على حسابه ، كل ذلك وارد . كما أن العامل من الممكن أن يقول لصاحب العمل أنا لا أستطيع أن أوفي العمل حقه ، ويبطل ما كان من عقد بينهم ، ويخسر العامل ما قام به من عمل . وهذا أيضاً وارد في شرعنا الحنيف . فقد ورد في الحديث الشريف ما يثبت ذلك . فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً ؟! قَالَ : هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ قَالُوا : لَا .قَالَ : فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ." وعند الإمام الترمذي رحمه الله عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلَا مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً ؟! قَالَ:هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا .قَالَ : فَإِنَّهُ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ." وأما مثل من عمل باتفاق على أجرٍ ثم عجز عن إكماله فأعطي بقدر عمله ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولَ : " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا ؟! قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا . فَقَالَ : فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ."

وأما الذي عمل عملاً ثم انكفأ ولم يستطع أن يوفي عمله ، وخرب بقدر عمله فعوقب بحرمانه الأجر المتفق عليه مثاله : ما أخرجه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" قَالَ مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا : لا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا ، وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ . فَقَالَ لَهُمْ :لا تَفْعَلُوا ، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً. فَأَبَوْا وَتَرَكُوا وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ فَقَالَ لَهُمَا أَكْمِلا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنْ الْأَجْرِ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالا لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ ، وَلَكَ الْأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا أَكْمِلا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا ، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ." وإن هؤلاء الذين استأجرهم يهود ، وهم من بني جلدتنا ، ليقوموا بما لم يستطع يهود أن يقوموا به ، وربطوا مصيرهم بمصير هؤلاء الذين لعنهم الله ، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، وقتلوا الأنبياء والأولياء ، ولم يدخروا وسعاً في الكيد للنبي ( وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ولهذا الدين الخاتم الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى . فإذا بهم تصل أيديهم إلى ما لم تستطع أيدي يهود الوصول إليه عبر خمسة عشر عاماً ، إنهم لا يعملون عند الله ، ولا عند شعوبهم ، ولكن يعملون أجراء عند يهود ، وبما أن يهود لم يستطيعوا أن يوفوا عملهم الذي وكلوا به ، فهل سيوفون أجر الأجراء أعمالهم التي استأجروهم للقيام بها ؟! يقول سبحانه وتعالى ضارباً المثل لهؤلاء الذين انضموا إلى أعداء الله والأمة والإنسانية ، وربطوا مصيرهم بمصيرهم ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المجادلة:14- 15) إنهم لا يقبلونكم أن تكونوا منهم ، وهم بالطبع يترفعون عن أن يكونوا منكم، وقد خنتم دينكم وشعبكم ووطنكم ، إنهم يريدون كما قال القسيس زويمر في مؤتمر القدس للقساوسة ، لا تغضبوا لعدم دخول المسلمين في ديننا ، إنه لا يشرفنا أن يدخل هؤلاء في ديننا ، ونحن لا نريد أن ندخلهم في هذا الشرف ، ولكن نريد أن نخرجهم من دينهم ولا ندخلهم في ديننا ، ليظلوا بدون دين ، فيسهل انقيادهم لنا ولكل من أراد منهم شيئاً . أرأيتم كيف يخطط هؤلاء الذين جاءوا ليحتلوا أرضنا ويخرجوا أهلنا منها ، كيف تنضمون إليهم في مخططهم الرهيب في إخراج الناس من دينهم وديارهم ؟! وهل فاقد الشيء يعطيه ؟! إذا كان يهود قد أخلفوا ما عاهدوا الله عليه ، فكيف سيوفونكم بما يؤملونكم به ؟!!! إنكم أصبحتم الأجراء الذين سيبطلون أعمالهم بأيديهم ، ولن ينالوا خيراً من الله ولا من شعوبهم ولا من مَنْ أبطل الله أعمالهم فخسروا الدنيا والآخرة .

  

         

 

البث المباشر