لا يترك العدو (الإسرائيلي) سبيلاً لإنقاذ سلطة محمود عباس من السقوط إلا ويسلكه، حتى لو على حساب المخالفات القانونية والأعراف المعمول بها في كيانه المحتل، والتي كان آخرها الكشف عن صندوق مالي سري أقامه الاحتلال لدعم السلطة في ظل أزمتها المالية.
وفي التفاصيل، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، في تحقيق صحفي، عن وجود صندوق سري في وزارة المالية (الإسرائيلية)، مخصص لتحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، مؤكدةً أن "قرضًا بـ100 مليون شيقل (28 مليون دولار أمريكي) منحه الصندوق السري لصالح السلطة الفلسطينية قبل عدة أشهر".
وقالت الصحيفة، إن "الصندوق بقي سريًا، ولم يكشف عنه حتى أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، التي أجرت نقاشا حول العلاقة المالية مع السلطة قبل شهر واحد، بمشاركة 10 ممثلين عن الحكومة ووزارة المالية والإدارة المدنية".
وأضافت أن "الحكومة أبلغت المحكمة العليا، ردًا على التماس تقدمت به منظمة كاهيلت اليمينية، أنها لا تستطيع الحديث عن الصندوق علنا، وأنها يمكن أن تتحدث عنه لهيئة المحكمة وخلف أبواب مغلقة فقط، لأن ذلك سيؤثر على أمن الدولة".
من جهته، قال القيادي المفصول من حركة "فتح" حسن عصفور، في تدوينة له، إن "التقرير العبري، يمكن اعتباره بشكل مباشر فضيحة سياسية كاملة الأركان، حيث تم التواطؤ بين جهازين خاصين من الطرفين، بالقيام بعمليات تحويل مالي دون إعلان، وكأنها جائزة مقابل خدمات خاصة تقدم من وراء الظهر".
وأضاف أنه "في حال تأكدت صحة التقرير، فالسلطة باتت كبعض دول تتلقى المال مقابل خدمات غير وطنية، للعدو القومي، وليس ما هو معلن من علاقات صريحة، وتظهر أن الممثل الرسمي تحوّل إلى وكيل خدمات لدولة العدو" وفق تقديره.
ويأتي الكشف عن الصندوق السري، بالتزامن مع تصريح وزير التعاون الإقليمي في حكومة العدو عيساوي فريج، إنه سيلتقي خلال الأيام القريبة وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي، من أجل ترتيب موعد رسمي لعقد القمة الاقتصادية JEC، بعد تعطيل مستمر منذ عام 2009.
وزعم الوزير فريج أن القمة من شأنها أن تساهم في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال تقديم تسهيلات (حقوق مسلوبة) في مجالات عدة، أبرزها إعطاء تصاريح دخول للعمال الفلسطينيين وتسهيلات أخرى في مجال التجارة عبر الحدود إلى جانب قضايا أخرى اقتصادية.
يشار إلى أن الملحق الاقتصادي JEC تم توقيعه بين العدو (الإسرائيلي) والسلطة الفلسطينية ضمن اتفاقية أوسلو عام 94 ويتمحور حول عمل اللجنة ونشاطها لتحديث حصص الواردات الفلسطينية ومواضيع رقابية أخرى.
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين إن الكثيرين يعتقدون أن الحساب السري الذي أعلن عنه الاحتلال يوفر دعمًا من أموال الاحتلال لسلطة أوسلو وهذا خطأ كبير.
وأضاف في حديثه لـ"الرسالة" أن الحساب تابع لجيش الاحتلال لتمويل بعض نشاطات الإدارة العسكرية (المنسق)، ويتم تمويله من الأموال التي يقتطعها الاحتلال من السلطة (المقاصة) التي يصادرها من الفلسطينيين ومن تراخيص الكسارات والاتصالات في الضفة وغيرها من الأموال الفلسطينية.
وأوضح عز الدين أن الاحتلال لا يصرف الأموال من الحساب كدعم مالي للسلطة، إنما هي حالات تدخل في اللحظات الحرجة على شكل قروض أو ما شابه كما حصل في إحدى المرات.
وأضاف أنه لا يتم ذكر إن كان هنالك فوائد ربوية عليها أم لا، مشيراً إلى أنه يتوقع وجود فوائد، و"لم يأت ذكر على باقي الأمور التي يصرف عليها هذا الحساب، وأتوقع أنها نشاطات تتعلق بالمنسق وأعماله التخريبية المختلفة وبناء الحواجز وما شابه".
وأشار إلى أن هنالك جوانب أخرى لهذا الحساب مثل استخدامه لتحويل أموال المقاصة في حال امتنعت البنوك (الإسرائيلية) عن ذلك خوفًا من "قوانين الإرهاب الأمريكية".
وأكد أن بقاء السلطة واستمرارها ضرورة قصوى للاحتلال (الإسرائيلي)، وهنالك خشية حقيقية من انهيارها لذا يبدو أن الحساب المالي (الصندوق) مخصص لإنقاذها ماليًا في حالات الطوارئ.
وختم عز الدين بقوله: "ربما هنالك أدوار أخرى للصندوق مثل تجنيد ودعم عملاء من الشخصيات العامة ليكونوا بدلاء عن السلطة في حال انهيارها وذلك من باب الاحتياط وأخذ جميع الخيارات بعين الاعتبار، فرغم أن الاحتلال معني ببقاء السلطة إلا أنه لا يستطيع ضمان استمرارها في ظل الأزمات الداخلية والمالية التي تعصف بها".