تصاعُد غير مسبوق في جرائم الاعتقال السياسي وتعذيب النشطاء داخل السجون سيما مسلخ أريحا سيء الصيت ارتكبتها الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية على مدار الأسابيع الماضية بشكل مخالف لأدنى القواعد القانونية، وهي اعتداءات طالت عشرات النشطاء وطلبة الجامعات في مختلف مدن الضفة المحتلة، وتم تتويجها اليوم بانتهاك خطير يتمثل في جريمة القتل خارج إطار القانون ومحاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق والقيادي في حركة حماس ناصر الدين الشاعر ما أدى إلى إصابته بعدة رصاصات في جريمة تعيد إلى الذاكرة جريمة اغتيال الناشط نزار بنات قبل أكثر من عام دون أن تأخذ العدالة مجراها إلى يومنا هذا.
الانتهاكات المتصاعدة تأتي بعد هيمنة تيار التنسيق الأمني الذي يقوده حسين الشيخ وماجد فرج على القرار الفلسطيني في قيادة السلطة والمنظمة، وهما الأكثر إيمانًا بالتنسيق الأمني والتعايش في كنف الاحتلال، ويعملان منذ سنوات على محاربة أشكال المقاومة الفلسطينية كافة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، وباتا يسيطران مؤخرًا على القرار السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، إلى جانب سيطرتهما السابقة على المال والأجهزة الأمنية الفلسطينية التي باتت اليوم أشبه بميليشيا تعتقل وتقتل خارج إطار القانون والدستور الفلسطيني بعد تغييب المجلس التشريعي بقرار سياسي من عباس.
الانتهاكات والجرائم الأخيرة تأتي إثر انسداد الأفق السياسي، وفشل خيار التسوية الذي تبنته حركة فتح ودافعت عنه بشراسة منذ أكثر من ربع قرن مضى، وبدا الفشل السياسي واضحًا من تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن حل الدولتين بات "بعيد المنال"، وهي دلالة على فشل رهان حركة فتح وقادتها على الإدارة الأمريكية الجديدة التي تفاخر رئيسها علنًا بأنه رجل صهيوني، وكأن قيادة السلطة وحركة فتح تريد القفز للأمام وثني الشارع الفلسطيني عن المطالبة بإشعال ثورة فلسطينية في مواجهة الاحتلال، وهي مطالبات متصاعدة تعبر عنها حالات المقاومة في جنين ونابلس، وهي مؤشرات على أن الثورة الفلسطينية باتت تغلي تحت الرماد وربما تشتعل مع أي حدث مفاجئ في المستقبل.
استطلاعات الرأي المتكررة على مدار الأشهر والسنوات الأخيرة والتي تشير إلى رغبة غالبية الشعب الفلسطيني باستقالة محمود عباس، وقناعة الجماهير بأن الفساد بات مستشريًا في أركان السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، هي إحدى الأسباب التي دفعت تلك السلطة وحركة فتح إلى تصعيد اعتداءاتها الأخيرة ضد النشطاء الفلسطينيين من خلال الاعتقال السياسي والتعذيب ومحاولات الاغتيال، وما قضايا الفساد التي طفت على السطح مؤخرًا والتي تمثلت بقيام وزراء حكومة اشتية بتوظيف أبنائهم وبناتهم بشكل مخالف للقانون عنا ببعيدة، إضافة إلى الإضرابات المتكررة التي تقودها نقابات مهنية عديدة في الضفة المحتلة رفضًا لسياسات السلطة الفلسطينية، وهي أمثلة أخرى على غليان الشارع الفلسطيني ضد قيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح.
قناعتنا بأن هدف الانتهاكات والجرائم الاخيرة هو حرف البوصلة عن فشل السلطة السياسي وإِشغال الشارع الفلسطيني عن المطالبة بمحاربة الفساد واتباع نهج سياسي جديد ستبوء جميعها بالفشل، فمن يتابع أوضاع الضفة المحتلة يدرك جيدًا أن السلطة الفلسطينية التي فشلت في اختبارات صغيرة مثل الضغط على الاحتلال وإرغامه على معاملة المسافرين الفلسطينيين بكرامة على معبر الكرامة، هي أضعف من أن تعيد بسط سيطرتها على الشارع الفلسطيني من خلال اعتداءات وانتهاكات وجرائم مخالفة للدستور والقانون.
وأخيرًا فإن الانتهاكات الأخيرة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وحركة فتح في الضفة خارج إطار القانون تنبئ بحالة مزرية من الخوف والإرهاب ربما يعيشها الشعب الفلسطيني على أيدي تلك الأجهزة حال تبوأ حسين الشيخ رئاسة السلطة الفلسطينية بدعم من جيش الاحتلال خلفًا لمحمود عباس في المستقبل القريب.
لماذا تصاعدت انتهاكات الأجهزة الأمنية في الضفة مؤخرًا؟
ماجد الزبدة