الرسالة نت – محمد الدواهيدي
من فوق التلال الرملية ومرورا بجدران المدارس والمقابر وصولا بتسلق المباني العالية, بدأ شابان فلسطينيان من مدينة خان يونس يشقان طريقهما نحو أخطر الألعاب في العالم , بدافع من التحدي والصمود وحب المغامرة.
انها لعبة الباركور, أو"لعبة الهروب" كما يسميها البعض , من الألعاب الحديثة التي ظهرت في فرنسا عام 2003 , وتعتمد على سرعة البديهة والمهارة للخروج من المواقف الحرجة , وتهتم باستخدام جميع أجزاء الجسم بشكل متناسق مع بعضها البعض , ومن ناحية أخري بشكل متناسق مع البيئة المحيطة .
خوض الخطر
في عام 2005 بدأ عبد الله انشاصي (22عام) تفكيره العميق في خوض تجربته في هذه اللعبة الخطيرة , عندما أعجب بها بعد مشاهدة فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الوثائقية يتحدث عن هذه اللعبة .
وحينها تعرف عبد الله على لعبة الباركور وأخذ بالبحث في المواقع الالكترونية والمجلات الرياضية عن قوانين وشروط اللعبة ,وأصبح يحمل مقاطع فيديو لمحترفيها وطرق تدريبهم , ودرسها جيدا قبل أن يقرر ترك رياضة الجمباز التي كان يمارسها , ليصبح من أوائل من تعلم هذه اللعبة في القطاع.
أخذ عبد الله البحث عن أماكن في قطاع غزة يمارس بها هوايته التي أحببها رغم خطورتها , ولكن بلا جدوى فاللعبة ما زالت جديدة في عالم الرياضة , ولم يجد حينها من يفهمه غير صديقه .
ولأن اللعبة تحتاج إلى من يكون بجانبه ليشجعه ويكون له عونا في الصعاب , أقنع عبد الله صديقه محمد والذي كان يمارس لعبة "كرة السلة " , بعد أن أطلعه على القوانين والحركات وشاهد معه بعض مقاطع الفيديو ليشقان طريق مليء بالمخاطر .
الهروب من الإصابات
وبفخر تحدث الشاب محمد الجخبير( 23 عاما) عن بداية ممارستهما للعبة قائلا " في البداية صنعنا حواجز من أكياس الرمل للقفز من فوقها, ثم بعدها احتجنا لاماكن أعلى من الحواجز فانتقلنا للتسلق والقفز من فوق مباني المدارس.
وأضاف ضاحكا: " كانوا حراس المدارس يستدعون لنا لظنهم أننا لصوص نقفز من أجل السرقة مما جعلنا ترك المدارس والانتقال للقفز عن أسوار المقابر".
ويتابع محمد والابتسامة لا تكاد تفارق وجهه " الكثير من الناس كان يقف ليشاهدنا ويصفنا بالمجانين , وآخرون يلتزمون الصمت وأعينهم تترقبنا خوفا علينا من السقوط ".
ولا تكاد تخلو رحلات المغامرات هذه من حالات السقوط, فعبد الله أخطأ في تمرين كان يتدرب عليه وكسر فكه السفلي ولا يزال يعاني من كسر في بعض أسنانه , وأشار محمد بإصبعه إلى أماكن مترفقة من جسده أصيبت بكدمات إثر سقوطه أثناء التدريب .
وتحتاج اللعبة إلى مزيج من العقل والروح والجسد , حيث تتعامل مع جسد الإنسان كوحدة واحد , وتتنوع الحركات في الباركور كثيراً , يمكن إدراجها جميعا تحت ثلاثة تصنيفات رئيسية وهي القفزات والتسلقات والدحرجات , وكل حركة تندرج تحت هذه التصنيفات لها أسسها الفنية والتدريبات البدنية الخاصة بها.
وبعبارات ملؤها ثقة وتحد يقول عبد الله أن فريقه ولد من قلب المعاناة والحصار والآن يستطيع أن يقوم بجميع فنون رياضة الباركور , وأنه يفوق أكبر فريق عربي ".
معانقة الهواء
ورغم معانقة الرياح في قفزاتهم مصحوبة بالحركات البهلوانية التي يقومون بها , والمراحل المتقدمة التي وصلا إليها في احتراف الباركور , لم يجد الرفيقان أي احتضان من أي ناد.
وبقهر يضيف محمد "للرسالة نت "أنه وصديقه يعملان على "تكتك" لا يكاد يكفي تكاليف دراسته , ويشير أن أمثاله في الدول الأخرى يتدربون في احدث النوادي ويستدعونهم لعمل الدعايات التلفزيونية التي تحتاج إلى القوة والمرونة .
ويتهم هذا الفريق الثنائي والذي أطلقا عليه اسم "GAZA BARKOUR" الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة منذ عدة أعوام , بحرمانهم ممارسة لعبة "الباركور " سواء بعدم إدخال أدوات رياضية يحتاجونها , أو لعدم مقدرتهم من السفر للخارج لمتابعة التدريبات واكتساب الخبرة.