غزة- لميس الهمص
لم تكد الطفلة إيمان تبدأ حديثها حتى خنقتها العبرات وسبقت دموعها كلماتها الخافتة. الطفلة التي يتمها وستة من أخوتها ظلم ذوي القربى تحدثت بدموعها التي ترقرقت في عينيها رغم سنها الصغير والذي ظننا معه عدم فهمها لما يدور حولها ، فتركت العنان لصوتها المخنوق أن يجيب على أسئلتنا.
فأكدت ببراءة أن من قتل أباها هم مصريون حرموها من حنان والدها يوسف أبو زهري دون أن تعرف السبب.
ولا يعلم معاذ ابن يوسف الأكبر سبب قتل والده لكن مع ذلك لن يسكت كونه الآن هو رب الأسرة فقد تعلم الصبر والجلد وهو مازال في الخامسة عشرة من عمره.
وكانت وسائل الإعلام أعلنت الثلاثاء الماضي عن استشهاد يوسف أبو زهري 38 عاما والأب لستة أبناء في السجون المصرية جراء التعذيب الوحشي الذي تعرض له .
ابنه جهاد كان اسما على مسمى فتحدث لنا بقوة أنه لم ير والده منذ أكثر من عام واصفا إياه بالحنون ويحل مشاكل جميع أفراد العائلة فكان الجميع يرجع إليه لحكمته ومقدرته على إرضاء الجميع .
أم معاذ تحدثت للرسالة بحزن عميق ، كيف لا وهي ترى زوجها قتل على أيدي من يسعون لإصلاح الشأن الفلسطيني الداخلي ، فبدأت الحكاية بالقول :"زوجي كان يقطن في شقته بمدينة العريش المصرية ، ويمتلك إقامة تسمح له بالمكوث في مصر بحكم زواجه من فتاة مصرية لكنه خرج في رمضان قبل الفائت ولم يعد".
وتتابع: قبل سبعة أشهر قامت قوات الأمن المصرية باعتقاله على خلفية خلية حزب الله بالرغم من نفي الحزب أن يكون أحد أفرادها إلا أن الأمن أخذ يتنقل به من سجن إلى آخر إلى أن وصل به الحال لسجن مرسى مطروح بالقرب من الحدود الليبية لكي لا يجدوا ما ينغص عليهم في تعذيبه .
وتحدثت أم معاذ أن زوجها كان يتصل بها من وقت لآخر كلما سنحت له الظروف بذلك بعيدا عن أعين سجانيه ليطمئنها عن أحواله كما كانت تصلها أخبار من زوجته المصرية في حال تمكنت من زيارته.
لكن وقبل ثلاثة أشهر أفجع أم معاذ خبر فقدان زوجها للبصر جراء التعذيب وعصب عينيه المتواصل لأكثر من ثلاثين يوما، نافية ما يتناقله الجانب المصري عن إصابته بأمراض مزمنة ، متعجبة في الوقت نفسه من هذه الحجة التي كانت يجب أن تلزمهم بالإفراج عنه فورا.
وأكدت أم معاذ أنه لم يكن هناك ما يستوجب اعتقال يوسف بدليل أنهم أحضروه من مدينة العريش بعد انتهاء التحقيق معه وأبلغوه بقرار الإفراج عنه ، كما أن نيابة امن الدولة أصدرت عدة مرات قرارا بالإفراج عنه ولكن لم يجري التنفيذ بذلك .
واكتملت فصول الجريمة مع أبو زهري بعد تعرضه لنزيف ورفض المستشفى لاستقباله رغم صعوبه حالاته فتنهدت زوجته قائلة:"خلال الفترة الأخيرة انقطعت عنا أخبار يوسف فقامت زوجته الأخرى بأخذ محامي وطبيب وذهب لزيارته إلى أن إدارة السجن لم تسمح لها بالدخول لزيارته.
وتضيف: الخميس الذي سبق وفاته اتصل بنا ليبلغنا عن صعوبة حالته وتحدث أن كبده في حالة سيئة جدا وطلب منا إنقاذه لكن قوات الأمن المصرية لم تكترث لحالته بل نقلته ليعالج في المستشفى الجامعي بالإسكندرية في صالة الانتظار دون السماح له بدخول المستشفى ونقل بعدها للسجن مرة أخرى.
وكانت القوات المصرية تصر على اعتقال يوسف رغم عدم توجيه أية تهمة إليه بل أن كل التحقيق كان يدور معه حول شقيه الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري .
وحملت أم معاذ إدارة السجن المسؤولية في قتل زوجها كونها لم تكترث بحالته ولم تسع لإنقاذ حياته بالرغم من علمها بصعوبة وضعه بل استملت جريمتها بالسكوت عن موته وإبقاء جثته وإهمالها داخل السجن مما أدى لتحللها .
زوجته التي لم تتمكن من وداعه لصعوبه الحالة التي كان عليها وضع جثمانه تحدثت أنها لم تر سوى وجهه لأن جثة زوجها وصلتهم بعد أربعة أيام من وفاته دون الحفاظ عليها فلم تكرمه الجهات المصرية حتى بعد موته .
لكن أم معاذ عبرت بصوت قوي أن ما يحزنها فقط هو الطريقة التي توفي بها زوجها لكنها صابرة محتسبة كونه شهيد تعرض للقسوة والتعذيب، مبينة أن أبناءه يعانون من أوضاع نفسية صعبة ويرفضون الأكل ، وحتى يرفضون الذهاب لمدارسهم.
وأكدت أنها سترفع قضية رسمية عبر الجهات القانونية، كما ستجري عائلتها اتصالات مع كل الجهات الحقوقية للتحرك وضمان كشف الحقيقة.
حادثة يوسف دق معها ناقوس الخطر تجاه مصير المعتقلين الفلسطينيين في السجون المصرية والذين بات ذويهم في حاله قلق دائم عليهم خصوصا مع حديثهم عن عدم وجود أي مبرر لاستمرار اعتقالهم .