عمد الاحتلال (الإسرائيلي) إلى تهويد مدينة القدس منذ عام 1967، عبر عدة مسالك أهمها حارة المغاربة التي تعتبر أشهر الحارات الموجودة في البلدة القديمة، كونها ملاصقة لحائط البراق، أي على الجهة الغربية من المسجد الأقصى، وهنا تكمن أهميتها الاستراتيجية.
ولهذه الحارة مكانتها التاريخية، فقد سكنها المجاهدون المغاربة الذين جاؤوا مع جيش صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من الصليبيين في القرن الثاني عشر الميلادي، وأوقفها الملك الأفضل الأيوبي، شقيق صلاح الدين، لخدمة المغاربة الوافدين إلى القدس من علماء ومجاهدين وغيرهم.
ومنذ حوالي خمسين عاما دمر الاحتلال الحارة بكاملها، وحولها إلى ساحة أسماها "ساحة المبكى" لخدمة المستوطنين اليهود متجاهلا الحق الفلسطيني الثابت في هذه المنطقة.
وانطلاقا من حارة المغاربة بدأت عمليات التهويد لتصنع (إسرائيل) هوية مزيفة لها على الأرض المقدسة، ورغم مرور عقود طويلة على تهويد مدينة القدس إلا أنها لا تزال تحتفظ بمعالمها التاريخية، فالحارة وحدها يوجد فيها 135 مبنى أثريا.
وما ترتكبه (إسرائيل) في حارة المغاربة ليس عبثا خاصة فيما يتعلق بالآثار المقدسية الإسلامية، بل محاولة لفرض أمر واقع تهويدي، وهذا ما تؤكده الوثائق والدراسات التي تفيد بأن مخططات التهويد بدأت مبكرا حين استفادت (إسرائيل) من الجمعيات الاستكشافية البريطانية التي درست تضاريس القدس وتاريخها مبكراً.
بعد سقوط المدينة، دمر الاحتلال حارة المغاربة، وبدأت وزارة الأديان (الإسرائيلية) بتفريغ الأتربة من البنايات الواقعة أسفل الأرض والملاصقة والملامسة لجدران الأقصى في الجهة الغربية تحديدًا، وحوّلت المباني إلى كنس وصممت هذه الأماكن حسب السردية الصهيونية.
جمعيات استيطانية
ومع مرور 52 عاما على محاولات تهويد مدينة القدس وإحراق المسجد الأقصى إلا أن الأحداث لا تزال مشتعلة في ظل استمرار عمليات التهويد التي انطلقت من حارة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى في الأيام الأولى لاحتلال المدينة.
يقول ناصر هدمي المختص في شؤون القدس إن باب المغاربة الذي سيطرت عليه سلطات الاحتلال منذ اللحظة الأولى للقسم الشرقي من مدينة القدس، أبعدت دائرة الأوقاف الإسلامية من أن يكون لها وجود على الباب.
وذكر هدمي "للرسالة نت" أن حارة المغاربة تقع بالقرب من حارة اليهود "التجمع اليهودي" بعدما استطاعوا طرد السكان الأصليين والاستيلاء على بيوتهم، في حين سكن المغاربة بالقرب من مخيم شعفوط.
واكد أن أهمية حارة المغاربة تكمن بالنسبة للاحتلال (الإسرائيلي) أنها المدخل الرئيسي لاقتحامات الأقصى منذ احتلال القدس حين كانت خفيفة حتى كثفت خلال السنوات الأخيرة وباتت تشكل خطورة على المدينة المقدسة، مبينا أن باب حارة المغاربة يستخدم في دخول المقتحمين للأقصى.
وبحسب قول هدمي فإن تلة باب المغاربة تحتوي على آثارًا كثيرة تعود للعصر الأيوبي والمملوكي والعثماني، وتراثًا مغربيًّا وأندلسيًّا مميزًا، لذا يسعى الاحتلال التخلص منها وإزالتها، مشيرا إلى أنه حصلت مواجهات لهذا السبب 2007 ولا تزال القضية رهن الاخذ والرد.
وتطرق إلى معلم أخر وهو الجسر الخشبي الذي تطالب جمعيات استيطانية باستبداله وتوسعة باب المغاربة ليكون الاقتحام بشكل أكبر ويتحمل الجسر الأليات العسكرية داخل الأقصى.
ويقول هدمي: "الاحتلال يرى الباب مدخلا رئيسيا للمسجد الأقصى، ويعتبر استفراده قرب الباب في الجهة الغربية للأقصى ومدينة القدس يعبر عن سهولة اقتحام الأقصى".
وأضاف: يسيطر عليه الاحتلال من كافة الجهات وأسفله حفريات وجزء منه يتجه صوب البلدة القديمة، وتوجد فتحات تتجه باتجاه الأقصى كل تلك الأهمية الجغرافية يعبر عن خطورة المكان وأهميته بالنسبة للاحتلال لتهويد الأقصى".
ومنذ احتلال المدنية المقدسة يواصل الاحتلال مشاريع الاستيطان والتهويد دون توقف، خاصة وأن وتيرة عملية التهويد تتسارع خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل ملحوظ لتحويل القدس إلى مدينة يهودية المعالم لإثبات ادعاءاتها الكاذبة حول هيكل سليمان.