إنّ المآل الطبيعي للأحكام القضائية التي تم البتّ فيها بشكل نهائي هو التنفيذ ما لم يحُل مانعٌ مشروعٌ دون ذلك. أمّا مآلها غير الطبيعي فيكمن في أن تظل حبيسة الأدراج أو تبقى مهملة على أرفف المحاكم دون أن تجد من يترجمها إلى واقعٍ تعود من خلاله الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، أو يغلق به ملف قضيةٍ ممتدةٍ منذ سنوات. وبهذا التعليق لهذا النوع من الأحكام تبقى العدالة وهماً لا يبارح منطوق الحكم القضائي فتصبح بذلك مظلومية المجني عليه أشد وطأةً وأنكى جريرة.
وإنّ من المتفق عليه فقهًا وقانوناً وقضاءً أنّ الغاية من وجود سلطة قضائية هي تطبيق أحكام القانون على الجميع دون تمييز أو استثناء، وإصدار الأحكام التي من شأنها تطبيق مبدأ سيادة القانون، وتحقيق العدالة وضمان الحقوق العامة والخاصة لما لذلك من أثرّ على استقرار حالة السلم الأهلي والمجتمعي، والحدّ من تزايد الجريمة والتي من شأنها زعزعة استقرار المجتمع وأمنه، لاسيما في حالة قطاع غزة الذي له خصوصيته وظروفه المغايرة لغيره.
وفي هذا الصدد، فقد التقى -يوم الخميس 1 أيلول/سبتمبر- وفدٌ من الوجهاء والمخاتير ولجان الإصلاح وشؤون العشائر قيادة لجنة متابعة الحكومي في قطاع غزة للمطالبة بتنفيذ أحكام القصاص والأحكام القضائية النهائية الباتة والتي استوفت كافة إجراءاتها ومراحلها والذي من شأنه أن يعمل على تجديد الثقة بالسلطات الثلاث التي تقوم على التشريع، القضاء والتنفيذ لما يصدر من أحكام وفق القانون. كما أنه سينزع فتيل الانفجار في كثيرٍ من حالات الاحتقان نتيجة عدم إغلاق الملفات العالقة بما يكفل إعادة الحقوق واطمئنان أفراد المجتمع وعوائله إلى سيادة مبدأ العدالة وإنصاف القانون الناظم للعلاقة فبما بينهم. كذلك فإنه لا يستطيع أحد أن ينكر ما يشكله تنفيذ هذه الأحكام من رادعٍ لمن تسوّل له نفسه الإقدام على أيّ نوعٍ من أنواع الجريمة وهو ما نحتاجه كمجتمعٍ فلسطيني باحثٍ عن الاستقرار من أجل التركيز على قضيته الأساسية وهي النضال القائم على توحيد الجهود وصولاً إلى تحرير الأرض والإنسان.
لذلك فإنني أرى أنه وفي ظل هذه المساندة الكبيرة من هيئات المجتمع الغزي ومؤسساته، فقد آن الأوان للاستجابة لمثل هذه المطالبات المشروعة لتنفيذ الأحكام الباتة التي صدرت بحقّ مرتكبي عددٍ من الجرائم الشنيعة التي هزت الرأي العام في حينها وشهدت حالةً من الغضب الشعبي والتي تمخضت عنها مطالباتٌ على نطاقٍ واسع بتنفيذ القصاص في أولئك الذين تجردوا من ضوابط الدين والإنسانية وخرجوا عن عادات مجتمعنا الأصيلة وتقاليده. وعليه فقد بات تطبيق هذه الأحكام القضائية ضرورةً شرعية، وواجباً وطنيا، ومطلباً مجتمعيا، فهل من مدّكر؟!!