أسسها السلطان العثماني وأوقفتها حرب الـ67

سكة غزة..عجلة القطار مازالت تدور في الأذهان

الرسالة نت - صلاح أبو شمالة

"دقت عقارب الساعة السادسة صباحا، أخذت أمتعتي وحاجياتي للانتظار على رصيف المغادرين رقم (1) لأحجز مقعدي، صوت القطار الناتج عن احتكاك عجلاته بالسكة الحديدية يبدو مرتفعا، وعادم الدخان المتصاعد من مدخنته يختلط بأشعة الشمس وكأنها ملحمة الصباح(...) توقف القطار، فبدأ المغادرون والقادمون بتبادل المقاعد، حينها  كانت بعض الأمهات يودعن أو يستقبلن أولادهن، والبقية الباقية من المواطنين  تلوح بالأيدي مودعة، بينما تعاود عجلة القطار تدور مجددا نحو الجارة مصر".

هذا آخر مشهد تحتفظ به ذاكرة الحاج أبو حسن الأسطل، طوال" 45 عاما" وهو أحد جيران محطة السكة الحديد القديمة بمدينة خان يونس  جنوب قطاع غزة.

المحطة عنوان وذاكرة

"المحطة" عنوان ثابت في محافظات القطاع ويقصد بها السكة الحديدية التي كانت تمر في رفح وخانيونس والوسطى وغزة قبل احتلالها عام 1967م ثم توقفت عن بعد الاحتلال.

وبوشر العمل في سكة الحديد خلال حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1900 وافتتحت عام 1908 واستمر تشغيلها حتى 1916 ، إذ تعرضت للتخريب بسبب الثورة العربية الكبرى وسقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

وكان الخط المتجه الى فلسطين ينطلق من دمشق، ويتفرع من بصرى جنوب سوريا إلى خطين أحدهما يكمل المسير إلى الجنوب نحو الأردن، والآخر يتجه غرباً باتجاه فلسطين.

وتعد نابلس وحيفا وعكا أهم محطات الوقوف في فلسطين، ويتفرع من حيفا خط يربط الأخيرة بمصر، وهذا فرع فلسطين.

في الستينات، كانت هناك محاولة لإعادة فتح الخط، الذي صار مهجوراً بسبب حرب الأيام الستة (1967) ولكن المحاولات لم تفلح في تسير الخط من جديد.

اثار المحطة

والمشهد في محطة السكة الحديدية في خان يونس يعطي طابع حكايات الماضي،  بما تحويه من ثقافة وسياسة وفنون، وفي الوقت ذاته مازالت غرف الموظفين موجودة حتى الآن وتتخذها وزارة الشؤون الاجتماعية  كمكتب إداري لمخازن الوزارة، وباتت خطوط السكة الحديدية واديا كبيرا قاحلاً عن يمينه وشماله رصيفان طويلان، الواحد بعرض أربعة أمتار، والبناء الخراساني المسلح يشهد على براعة بانيه .

ولاستكمال المشهد، التقت " الرسالة" بالحاج أبو نضال  تنيره، أحد الذين عايشوا السكة ومحطتها في خان يونس، الذي قال ان ما تبقى من المحطة " غرفة كبيرة كانت تسمى "الكنترول" او ادارة المحطة، وكانت معدة لبيع التذاكر او استلام البضائع...

وعن المدة الزمنية التي يقطعها القطار ليصل القاهرة قال " كان يستغرق أربع ساعات ، وقبل عبورنا مصر تقابلنا لجنة للتفتيش عن الجوازات والتذاكر عند رفح ، لافتاً  إلى أن ركاب القطار في بعض الأحيان كانوا ينشدون ويتغنون الكلمات الوطنية الفلسطينية والمصرية".

أما أبو خليل فرينة"، الذي اكتمل بياض شعره وتكالبت معادن مخرطته على يديه،  يقول أتذكر مدير محطة خان يونس واسمه "أبو حسيب" ، وهناك رجل آخر كبير السن مازال حي يرزق اسمه الحاج سعيد سرور يعمل في الشرطة المصرية وكان مسئولا عن نقل المساجين من المدينة إلى سجن أبو زعبل المصرية، في حين كان يعمل كامل الشاعر في رفع أعلام المرور عند قدوم القطار أو تغيير الخطوط.

ويضيف:" المحطة كانت تتكون من أربعة خطوط، خطان للمسافرين واثنان للتجار والبضائع".

فيما عبر أبو محمد بطريقة أخرى، عن ذكريات الزمن الجميل، فقال:" عندما كنت في الثانوية أخذني والدي للمحطة، وجعلني أشاهد الطلبة المغادرين للتعليم في مصر، وكانت حافزة لي، فقد غادرت بعدها بسنة عبر القطار، ولكنني عدت بدون قطار بسبب الحرب العالمية.

وتظل الذاكرة الفلسطينية بمعالمها وعراقة تاريخها وشعبها تحمل ذكريات المحطة كباقي البلدان التي شرد مواطنيها بفعل الاحتلال، ويصبح السؤال مفتوحا لكل أصحاب الرأي والقرار متى سيعاد ترميم المحطة ؟ وهل اسم المحطة بنبضه القديم سيعود؟!

 

البث المباشر