قبل عام ولدت أرض فلسطين 6 من الأحرار خرجوا من رحمها، بعد أسابيع طويلة وهم يتلهفون للحياة في أحشائها، ليكسروا عتمة السجن ويبصروا الشمس دون أسلاك شائكة لأول مرة بعد سنوات طويلة من الاعتقال في سجون الاحتلال (الإسرائيلي).
ستة أبطال حفظ الأحرار أسماءهم عن ظهر قلب "يعقوب قادري، ومحمود العارضة، وزكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ومناضل انفيعات، ومحمد العارضة"، حين قهروا أعتى ترسانة عسكرية وحفروا الأرض بمعلقة وتنسموا الحرية وتجولوا في حقول البلاد. وُصفت عمليتهم هذه بالأصعب والأنجح منذ زمن الاحتلال، حين قرر الأسرى بإرادتهم كسر عتمة سجن جلبوع.
بقي الفلسطينيون طيلة فترة الحرية أبطالا يترقبون مصيرهم ويتمنون لو يطرقوا أبواب بيوتهم، فهم خرجوا من سجن شديد التحصين الموصوف بالخزنة.
شق الأبطال الستة بعيونهم أفق الحرية وكأنهم حلم، تساءل جميعا "هل حقا نحن أحرار؟! وهل سنلمح وجوه أهالينا (..)؟ هل سنسمع صوت الأذان عبر مكبرات الصوت (..) هل سنتذوق ثمرة الصبر والجوافة والتين والعنب؟"، نعم كان لهم ما حلموا فيه لحظة رموا المعلقة التي قادتهم للحرية فكل منهم ذهب إلى حال سبيله عدة أيام قلب فيها الكيان (الإسرائيلي).
بقي الجيش (الإسرائيلي) خمسة أيام مستنفراً للبحث عن أبطال نفق الحرية الذين وصل صيت عمليتهم "نفق الحرية" إلى العالم، وحين ألقي القبض على أربعة منهم قابلوا تلك الأسلحة بابتسامة تحدٍ كسرت المنظومة الأمنية مرة ثانية.
كسر ترسانة عسكرية تمتلكها (إسرائيل) بواسطة ملعقة استخدمها أسرى أبطال، جعل الحرية لبقية المعتقلين قاب قوسين أو أدنى، وبقيت العيون معلقة لإنجاز صفقة تحرير أسرى جديدة، لكن مصلحة السجون شددت من حراساتها فوق الأرض وتحت الأرض وراحت تضغط على الأسرى عبر سلسلة إجراءات عقابية لكنها لا تزال تتراجع عنها.
مشهد حفرة النفق لا يزال يتصدر الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي ورسوم الكاريكاتير بطريقة تستفز الاحتلال، وبعد عام على العملية لا تزال التساؤلات حول كيفية الحفر والفرار، لكن المعلومة الوحيدة التي يدركها الجميع أن أسرى معزولين داخل سجن شيد بتقنيات تكنولوجية عالية تمكنوا من اختراقه بأدوات بسيطة.
جلبوع المعجزة
يصف عبد الناصر فروانة الباحث في شؤون الأسرى عملية جلبوع بأنها معجزة رغم أنها ليست عملية الهروب الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة، إذ سبقتها العشرات، ولن تكون الأخيرة في سياق البحث عن الحرية، لكن ربما تكون هذه أهم تلك المحاولات، من حيث التوقيت والدلالات وحجم النجاحات، وتصلح لأن تكون سيناريو لفيلم عالمي.
ويقول إن ما فعله الأسرى يعكس قوة الإرادة والعزيمة التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني، ويعبّر عن مدى إصراره على المضي قدماً في مسيرته الكفاحية، حتى في أحلك الظروف وأكثرها صعوبة، من أجل انتزاع حقه الطبيعي في العيش بحُرية، وقدرته على تحقيق الانتصار على المحتل على الرغم من اختلال موازين القوى.
ويرى أن العملية أعادت قضية الأسرى إلى واجهة الأحداث السياسية المحلية والإقليمية والدولية، لأنها شكّلت ضربة قاصمة وهزيمة كبيرة للاحتلال وقيادته، وفشلاً ذريعاً وخطيراً لأسطورة المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وخصوصاً أن هذا السجن، الذي أُنشئ حديثاً في سنة 2004، يُعتبر الأكثر تحصيناً والأشد حراسة ومراقبة في دولة الاحتلال (الإسرائيلي) الذي تصفه بـ "الخزنة الحديدية".
واعتبر أن إعادة اعتقالهم، التي تندرج في إطار المألوف والروتيني، لا تقلل من شأن ما سجّلوه من انتصار عظيم، وما سطّروه من ملحمة مُلهمة وبطولة استثنائية بحجم المعجزة.
ورغم مضي عام على عملية جلبوع، مليء بالأحداث السياسية الساخنة في قطاع غزة والضفة المحتلة والقدس، إلا أنها بقيت كالسكين في خاصرة المحتل. فكلما حاول أن يفرض عقوبات على الفلسطينيين وخزته لتعيد له حادثة كسرت هيبته أمام شعبه ومن يناصره حول العالم.
في المقابل، أي مواجهة تدور في السجون بين الأسرى وإدارة المعتقلات، بات يدرك من في الخارج أن النصر للأسرى وفعلا مهما تفاقم حجم العقوبات التي فرضت طيلة العام، كسرها الأسرى بعزيمتهم وعنادهم.