مطلع عام 1996، وفي أعقاب عمليات الثأر المقدس، التي جاءت ردا على اغتيال المهندس الأول لكتائب القسام يحيى عياش، داهمت قوات كبيرة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية منزل القيادي في كتائب القسام عادل عوض الله، وطلبت من عائلته أن يسلم نفسه هو وشقيقه عماد، لكنّ القائدين عماد وعادل رفضا طلب السلطة، وبدءا رحلتهما في المطاردة.
يوافق اليوم العاشر من سبتمبر الذكرى الرابعة والعشرين لاغتيال الاحتلال للشقيقين القائدين عادل وعماد عوض الله، اللذين دوخا الاحتلال وأذلاه على مدار سنوات طويلة.
سجل جهادي
شارك القائدان عماد وعادل في فعاليات الانتفاضة الأولى، وأصيب عادل خلالها عدة مرات بجراح متفاوتة، إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة الطريق، فكان أول من أعلن عن انطلاقة حركة حماس في ساحات المسجد الأقصى المبارك مع بدء الانتفاضة.
أسند إلى الشهيد القائد عادل عوض الله مسؤولية مدينتي رام الله والبيرة في كتائب القسام، واعتقل في سجون الاحتلال مرات عديدة، وطورد عدة أشهر قبل أن يتم اعتقاله مجددا ليقضى ثلاث سنوات ونصف السنة في سجون الاحتلال.
بداية المطاردة
اختفى الشقيقان القائدان في كتائب القسام عادل وعماد عوض الله عن الأنظار بعدما باتا أبرز المطلوبين للاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية لدورهما البارز في كتائب القسام ومقاومة الاحتلال وقتل جنوده ومغتصبيه.
أخضعت أجهزة السلطة الأمنية منزل القائدين عماد وعادل للرقابة الشديدة على مدار الساعة، حتى بلغ بهم الأمر استجواب واعتقال كل من يزور بيت العائلة.
نجح القائدان في الاختفاء عن أعين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية عامين كاملين على الرغم من الجهد الاستخباري والأمني الكبير للبحث عنهما، قبل أن يتمكن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني من اعتقال القائد عماد في أحد المنازل، فيما بقي القائد عادل حرًا طليقًا يخطط للإثخان في العدو واستهداف جنوده ومغتصبيه.
صنوف من العذاب
ويروي الشهيد عماد في رسالة كتبها عقب فراره من السجن بتاريخ 18/8/1998م ما واجهه في سجون السلطة الفلسطينية، يقول: أمضيت أربعة أشهر في عدد من السجون، لاقيت فيها من التعذيب ما لا يتحمله بشر، من شبْح متواصل، وضرب على الرأس، وتجريد من الملابس، ونتف للحية ولشعر الرأس، حتى كدت أن أفقد حياتي في إحدى المرات.
ويتابع، لقد تركزت الأسئلة خلال التحقيق حول مكان تواجد شقيقي عادل، وحول علاقتي مع الشهيد المهندس محيي الدين الشريف، وعدد من الإخوة الذين اعترفوا تحت التعذيب بأنني قد نظمتهم في الجهاز العسكري وأمددتهم بالسلاح، معقبًا: لقد عاهدت الله على مسامع قيادة السلطة ألا أتفوّه بكلمة أضر بها نفسي وإخواني ولو نُشرت بالمناشير.
جريمة اغتيال ملفقة
وبالعودة إلى الوراء قليلاً، فقد تورط جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني قبل اعتقال القائد عماد عوض الله بمدة وجيزة باغتيال الشهيد القسامي القائد محيي الدين الشريف بعد تعرضه لتعذيب شديد أدى إلى وفاته بعد بتر قدمه خلال التعذيب، حاولت السلطة التغطية على جريمتها وتلفيق القضية عبر وضع جثة الشهيد في سيارة مفخخة، ومن ثم تفجيرها وإلصاق التهمة بالشقيقين عادل وعماد عوض الله في محاولة لضرب الصف الداخلي لكتائب القسام.
وعلى الرغم من التعذيب الشديد فقد رفض الشهيد عماد الاعتراف بالتهم التي وجهت له ولشقيقه، أما الشهيد عادل فاضطر -وقد كان مطارداً في وقتها- للكشف عن شخصيته وتسجيل شريط فيديو نشرته وكالة رويترز، فنّد فيه اتهامات السلطة الفلسطينية بوقوفه وراء عملية اغتيال الشهيد محيي الدين الشريف.
وأكد الشهيد القائد عادل في الشريط المصور التمسك بخيار المقاومة، وأوصى فيه بألّا يتم الانتقام لاستشهاده ممن قتله، بل بالانتقام من الاحتلال الصهيوني، يقينًا منه بأن الضربة سوف تأتي ممن سخّروا أنفسهم عبيدًا للصهاينة، خاصة أنه نجا من محاولتي اغتيال، أطلقت أجهزة السلطة النار في إحدى العمليتين على سيارة فلسطينية تطابقت مواصفاتها مع السيارة التي كان يتنقل بها الشهيد عادل، وقتلت سيدة فلسطينية في الحادث.
فخ الهروب
بعد أربعة أشهر من التعذيب والشبح، تمكن الشهيد القائد عماد عوض الله من الهروب من السجن في عملية اتضح فيما بعد أنها كانت معدّة من قبل السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الاحتلال الصهيوني، الهدف منها الوصول إلى الشهيد القائد عادل عوض الله، حيث تم غرس جهاز تتبع إلكتروني في جسد الشهيد عماد.
أيام قليلة مضت على فرار الشهيد عماد من سجون السلطة حتى تمكنت قوات الاحتلال الصهيوني من اغتيال الشقيقين القائدين عماد وعادل عوض الله في تاريخ 10/9/1998 في إحدى المزارع المجاورة لقرية ترقوميا بمدينة الخليل، بعد عملية مطاردة استمرت ثلاث سنوات، واحتفظت بجثمانيهما فيما تسمى بـ"مقابر الأرقام".
كرامة الشهداء
وبعد 16 عامًا على استشهاد القائدين عادل وعماد، أفرجت قوات الاحتلال في أبريل عام 2014 عن جثمانيهما، وشارك آلاف المواطنين في تشييعهما في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية بمشاركة جماهيرية واسعة من قبل أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني وقيادات في حركة حماس.
وذكرت المصادر الطبية حينها أن جثتي الشهيدين الأخوين عماد وعادل عوض الله لم تتحللا رغم مرور 16 عامًا على استشهادهما، كما أن ملابس الشهيدين لم تتحلل نهائيا، وأن زوجة أحد الشهيدين تعرفت على زوجها من القميص الذي كان يرتديه.
لتمثل بذلك قصة الشهيدين القائدين عادل وعماد عوض الله، صفحة قاتمة السواد في سجل سياسة التنسيق الأمني المستمرة حتى اللحظة، التي انتهجتها أجهزة السلطة منذ قدومها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.