بعد عشرة أيام من ولادة كرم هريش تمكن والده المعتقل السياسي "أحمد" لدى الأجهزة الأمنية في رام الله احتضانه، فالصغير ولد دون أن يعلم أن والده محتجز في سجن مسلخ أريحا.
وبمجرد أن تمكن "أحمد" من احتضان صغيره لعشر دقائق خلال جلسة له في محكمة بداية رام الله، لم يتمالك نفسه، فهذا الرضيع ولد دون أن يكبّر في أذنه، ودون أن يشهد لحظات ولادته الأولى، فحين كان الأب يعذب خلال التحقيق كانت صرخات "كرم" تدوي في المستشفى معلنة قدومه للحياة.
كعادة الفلسطينيين عند قدوم المولود الأول لعائلته تعم الزغاريد ويبدأ المهنئون بالتوافد إلى البيت، لكن ما جرى مع عائلة الهريش كان مختلفا حيث عمت لحظات صمت تخلتلها شقهات بكاء هنا وهناك، أمنيات حملها الأحفاد وهم يرددون "ياريت عمو أحمد هنا يشوف ابنه".
لم تتمالك الجدة ما يجري لابنها وحفيدها فأعلنت إضرابها عن الطعام منذ حوالي الشهر، فأصبحت صحتها تتراجع وتضطر عائلتها لنقلها الى المستشفى من حين لآخر خاصة حين تصلها الاخبار عن ابنها بأن إجراءات التحقيق معه صعبة، وتم تحويله من معتقل سياسي إلى جنائي.
حالة من القلق والغضب والقهر تسود بين أفراد الأسرة، حتى قررت زوجة المعتقل السياسي أن تحمل رضيعها كرم بعمر العشرين يوما وتذهب به إلى وقفة احتجاجية في رام الله ليكون أصغر متظاهر فلسطيني ضد الاعتقال السياسي.
تقول أسماء هريش عمة "كرم" إن ما دفع والدته لحمل بكرها الرضيع والمشاركة في وقفة احتجاجية أمام محكمة رام الله للتضامن مع والده وبقية المعتقلين السياسيين هو القهر الذي تعيشه والظلم الذي يقع على عاتق شقيقها.
وأضافت: حين علمنا أنه تحول من معتقل سياسي إلى جنائي، صدمنا جميعا (..) هذا القهر لا يفعله سوى الاحتلال ويفترض على أبناء جلدتنا أن يكونوا رحماء".
وذكرت هريش "للرسالة نت" أن شقيقها حين احتضن ابنه البكر لدقائق معدودة صدم كثيرا وبقي يقبله ويشمه غير مصدق. وتابعت: "كان المشهد قاسيا للغاية خاصة حين انتهت الزيارة وخرجنا (..) ما يجري قمة الظلم، كيف لشخص أن يسجن دون تهمة واضحة وكيف له أن يحرم من عائلته وحضور لحظة ولادة طفله الأول".
وأكدت أنه في حال لم تستجب محكمة رام الله لمطالب أهالي المعتقلين السياسيين سيضربون عن الطعام احتجاجا على تلك الممارسات القاسية.
حالة المعتقل السياسي هريش تكررت ليلة أمس مع أحمد الخصيب الذي رزق بمولودته البكر "منى" وهو في مسلخ أريحا دون أن يعلم شيئا عن ولادتها.
هذه الحكايات المؤلمة التي تحمل الكثير من الألم والقهر اعتاد الشارع الفلسطيني أن يكون الجلاد فيها الاحتلال (الإسرائيلي) وليس الأجهزة الأمنية للسلطة، لكن يبدو أن الأخيرة تقتبس أساليب التعذيب والوجع النفسي من الاحتلال حين يعاقب الشباب الثائر والمدافع عن بلده.
وتواصل أجهزة السلطة في الضفة الغربية، انتهاكاتها واعتقالاتها للمواطنين، على خلفية توجهاتهم السياسية، بينهم صحفيون ومحامون ونشطاء.
واعتدى مجموعة من عناصر أمن السلطة بلباس مدني، السبت الماضي، على أهالي المعتقلين السياسيين خلال الوقفة الاحتجاجية التي نفذت وسط رام الله.
وصعّدت أجهزة أمن السلطة خلال شهر آب/ أغسطس الماضي من انتهاكاتها بحق المواطنين بالضفة الغربية، حيث شلمت الاعتقالات لنساء مع التنكيل بهن، والاعتداء على مواكب الأسرى المحررين ومنازلهم، وتعرض المعتقلون السياسيون إلى الشبح والتعذيب في سجن "مسلخ" أريحا.
ورصدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية ارتكاب أجهزة أمن السلطة 315 انتهاكا بحق المواطنين، خلال أغسطس الماضي.
وينظم أهالي المعتقلين السياسيين وقفة احتجاجية أسبوعية وسط مدينة رام الله، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم، ووقف الظلم الذي يتعرضون له في زنازين السلطة ومسلخ أريحا.