دوما نشاهد المقدسي فخري أبو دياب – 60 عاما- خلال تضامنه مع أصحاب البيوت التي هدمها الاحتلال، لكن اليوم تبدل الحال وبات من أصحاب البيوت التي ستصلها جرافات بلدية الاحتلال في أي وقت لقلع ذكريات عاشها وعائلته في حي البساتين القريب من المسجد الأقصى، بحجة أن البيت مخالف.
ذكريات في باحة المنزل وزواياها عاشها برفقة أشقائه صغارا، حتى غدا شابا وأسس عائلة مكونة من خمسة أبناء و12 حفيدا نقشوا ذكريات لهم في البيت الذي ورثه عن أجداده، فهنا شجرة التين وتلك شجرة الزيتون التي سقيت بعرق والديه، وفي الحديقة أيضا شتلات النعنع والريحان والورد التي حافظ على وجودها لتنعش له طفولته.
ما هي طقوس أبو دياب اليومية في بيته؟ سألته "الرسالة نت" ليجيب: صباحا احتسي فنجان القهوة برفقة زوجتي مهما كانت أحوال الطقس، أسترجع حينها مشهد أمي وهي تنادي على أحد أبنائها، وكيف يقف والدي على باب البيت يستقبل الضيوف، وفي ركن آخر كانت عماتي يفضلن الجلوس.
ويحكي أنه كما حفر ذكرياته في جنبات البيت العتيق، أيضا لايزال أبناؤه وأحفاده يصنعون مثله ويجدون في البيت أمنا وأمانا لهم رغم أن غالبيتهم عاشوا في بلدان أخرى لكن لم يجدوا موطنا أجمل من بيتهم المقام على أرض مقدسة ويطل على الأقصى.
ويذكر أبو دياب أن أمر الهدم ليس مفاجئا، فهو منذ سنوات طويلة يدفع آلاف الشواكل كمخالفة لبلدية الاحتلال، وتلك الأموال لو استسلم للأمر الواقع وخرج من بيته لامتلك أفخم البيوت بثمنها لكنه فضل دفع ضريبة الصمود والبقاء في بيته.
ويقول إن هدم بيته لا يعني قيمة البيت المادية بل ردم ذكرياته وعائلته التي تعتبر المنزل مملكتهم، لموقعه المميز حيث المياه التي تصلهم من عين سلوان التي تشكل قيمة تاريخية ودينية كونها تنبع من أسفل المسجد الأقصى.
المياه الواصلة للبيت من عين سلوان هي ذاتها التي بنيت مدينة القدس على أساسها وجاء السكان اليها، عدا عن أن السيدة "مريم البتول" عليها السلام كانت تغسل سيدنا "عيسى عليه السلام" من الماء نفسه.
وهو نفسه "غسلته" والدته وأخواته من ماء عين سلوان ويرى أن تعلقه بالمكان بسبب تلك المياه، لذا حين كان يلاعب أبناءه وهم صغارا واليوم أحفاده يصر على غسل وجوههم بالماء طلباً للبركة وحتى يربطهم بالمكان.
ودوما يحرص على تذكير أبنائه بأهمية البيت وعدم التفريط فيه ويردد "هون رائحة ستكم وسيدكم (..) هون الطفولة والرباط".
ويقول إن الاحتلال يرجع سبب الهدم للتوسعات التي أجراها بعد رفض البلدية ومماطلتها كون عائلته كبرت، مشيرا إلى أن ارتباطه في البيت ليس عائليا فقط بل وطنيا وتمسكا بهويته المقدسية والإسلامية.
ويؤكد أن خروجه من البيت وهدمه يعني قطع الأكسجين عنه وقتل ذكرياته التي تحكيها جدران المنزل وتواسيه على غياب والديه، كما لا يزال عرق أجداده مجبولا في الأرض.
وفي ذات السياق، قالت منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، في تقرير لها إن سلطات الاحتلال هدمت 300 مبنى بالضفة والقدس منذ مطلع العام الجاري.
وحذرت المنظمة الأممية من خطورة سياسة هدم المنازل التي تتبعها سلطات الاحتلال بالقدس والضفة وخاصة في مناطق (ج).
وأوضح التقرير أنه كما هو الحال في معظم عمليات الهدم، يتذرع الاحتلال بالافتقار إلى رخصة بناء (إسرائيلية)، مؤكدة أنه يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول على مثل هذه التصاريح أو تلك الرخصة في القدس، نظرا لسياسة التضييق التي تتبعها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين في القدس ومناطق (ج) التي تتحكم (إسرائيل) بالبناء فيها.
وذكر تقرير المنظمة الأممية "تعكس الأرقام ارتفاعا في هدم المباني المملوكة للفلسطينيين وما نتج عن ذلك من تهجير للسكان من منازلهم في جميع أنحاء الضفة الغربية منذ عام 2009، إلى جانب السياسات والممارسات الأخرى، يساهم التهديد بهدم المنازل ومصادر الرزق في خلق بيئة قسرية تضغط على الناس لمغادرة مناطق إقامتهم."