فُتحت "طاقة الفرج" لبعض الطلبة بعد أن أبلغتهم وزارة التربية والتعليم في رام الله بقبولهم ضمن منحة "الدراسات العليا" في الجزائر (دفعتي 2019 و2020) عقب انتظار سنوات؛ لكن العديد من زملائهم تفاجأوا بأنهم "غير مقبولين" رغم تواجد أسمائهم على قوائم "مرشح أساس".
وشكلت "الصدمة" سابقة خطيرة في ملف المنح التي تقدمها الوزارة؛ إذ لم يُستبعد "مرشح أساس" من المنحة بآخرين، سواء على قوائم الاحتياط أو من خارجها، دون مبرر؛ الأمر الذي فجّر سخطًا كبيرًا بين المتقدمين لمنحتي الماجستير والدكتوراه.
وفي إطار البحث بتفاصيل القضية، عاد معد التحقيق إلى الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم، الذي نشر كشف أسماء المرشحين لمنحة 2019 في 9 سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، وكشف المرشحين لمنحة العام التالي في 29 يونيو/ حزيران 2020، واشتملا على 141 اسمًا تحت بند "مرشح أساس"، منهم 71 دفعة 2019، و70 دفعة 2020.
طوال السنوات الثلاث الماضية، أوقفت الجزائر منحة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) بسبب تفشي فيروس كورونا، وبعد استئنافها، تواصلت الوزارة مع الطلبة (141 اسمًا) في ديسمبر/ كانون أول 2021 لتأكيد استمرارهم فيها من عدمه، حيث أبلغ 125 مرشحًا الوزارة بنيتهم الاستفادة من المنحة الجزائرية، فيما اعتذر 16 مرشحًا عن الاستمرار.
وفي أواخر أغسطس/ آب 2022 نشرت الوزارة كشفًا يضم 73 اسمًا فقط؛ أعلنت قبولهم في المنحة من أصل 125، وبذلك تم استثناء 52 طالبًا كانوا ضمن قائمة "مرشح أساس"، حيث قالت الوزارة إن 19 منهم اعتذروا عن الالتحاق بالمنحة، بينما لم تُقدم تفسيرًا لاستبعاد 33 آخرين.
لكن معد التحقيق تواصل مع أربعة من الطلاب الـ19 الذين قالت الوزارة إنهم استنكفوا عن المنحة؛ فأكدوا أنهم لم يُبلغوا الوزارة بذلك إطلاقًا، ويرغبون في الحصول عليها.
ووفق معلومات حصل عليها معد التحقيق؛ شملت قائمة الـ73 اسمًا مقبولًا 14 اسمًا "دخيلًا" لم يكونوا في قائمة "مرشح أساس"، نصفهم ظهرت أسماؤهم في المقبولين بمنحة الماجستير، ومثلهم بمنحة الدكتوراه.
ودفعت القضية مُعدّ التحقيق للبحث عن أسباب استبعاد طلبة واستبدالهم بآخرين، في وقت أبدى هؤلاء (موجودون على قائمة "مرشح أساس") جاهزيتهم للالتحاق بالدراسة دون أي اعتذار.
اتهامات بالتلاعب
ووفق بروتوكول الوزارة الخاص بمنح الطلبة في الخارج؛ يتم استبعاد الطلبة المستنكفين عن المنحة لأسباب خاصة بهم، واستبدالهم بآخرين على قوائم الاحتياط.
لكن دليل الإجراءات لدى الوزارة ينص على أنه في حال استنكاف الطالب عن المنحة، يجب عليه إبلاغ الوزارة بكتاب خطي يؤكد رسميًا اعتذاره، وهو ما نفى تقديمه أي من الطلبة المستبعدين.
وتحدث معد التحقيق مع نحو 20 طالبًا كانوا على قائمة "مرشح أساس"، واستُبعدوا من الكشف النهائي دون أي سبب، وأكدوا عدم اعتذارهم، واستعدادهم للالتحاق بها اليوم.
أحمد البسيوني (34 عامًا) تقدم لمنحة الدكتوراه في اللغة العربية دفعة 2020، يتهم المسؤولين باستبعاد اسمه من كشف المقبولين، واستبداله وبعض زملائه بآخرين لم يكونوا على قوائم المنحة أصلًا.
والبسيوني حاصل على درجة ماجستير لغة عربية من جامعة الأزهر في غزة عام 2019، وتقدّم للمنحة منتصف عام 2020.
تواصل الطلبة مع السفير الفلسطيني لدى الجزائر فايز أبو عيطة للاستفسار عن سبب استبعاد أسمائهم من المنحة؛ فرد عليهم بأن "الملف قيد المتابعة"، وفق البسيوني.
ويضيف: "حين تم تنفيذ وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة التعليم في غزة كان يتواصل معنا السفير أبو عيطة ويبلغنا أن ذلك ليس في صالحنا، وقد يؤدي إلى إلغاء المنحة".
وتقدم لمنحة الدراسات العليا بالجزائر نحو 7 آلاف طالب، واختارت الوزارة في رام الله أسماء المقبولين وفقًا لمعايير بينها تفوّق الطالب وشهاداته وخبراته ومجال تخصصه.
ويقع على عاتق سفارات فلسطين في الدول متابعة ملف المنح الدراسية المخصصة من الدولة للطلبة الفلسطينيين.
وتصل تكاليف التسجيل للمنحة 150 دولارًا، تشمل تصديق الشهادات وفحص الخلو من الأمراض، وشهادة حسن سير وسلوك، وتجهيز جواز السفر.
لطالبة هناء الجاروشة- إحدى المترشحات لمنحة الدكتوراه دفعة 2019 في تخصص التربية- كانت هي الأخرى "ضحية للتلاعب" في أسماء منحة الجزائر، وأصيبت بصدمة بعد استبعاد اسمها من القائمة النهائية للمقبولين.
وتقول الجاروشة: "ترشحت لمنحة الجزائر بقسم الدراسات العليا عام 2019 ورُصد اسمي في كشف الوزارة كـ"مرشح أساس"، ولم أعتذر عن الالتحاق بها إطلاقًا".
ورفضًا لاستبعاد عشرات الأسماء من المنحة الجزائرية؛ كانت الجاروشة تعتزم المشاركة في وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة التعليم في غزة، لكن السفير أبو عيطة تواصل معها ليخبرها بأن العمل جارٍ في هذا الملف ولم ينته.
وتضيف: "أخبرني السفير أن متابعة الأمر تجري بين السفارة ووزارة التعليم الجزائرية، بسبب تأخر في معادلة الشهادات وبعض الإشكاليات الأخرى".
وتتابع: "لكن بعد نشر وزارة التعليم في رام الله قوائم المقبولين بالمنحة؛ فوجئنا أن 60% من دفعة 2019 قُبلوا فقط، في وقت تم إضافة أسماء آخرين لم يكونوا ضمن الترشّح الأساسي".
وتتذرع السفارة الفلسطينية في الجزائر بأن مشكلة غير المقبولين تكمن في "خللٍ بمعادلة الشهادات"، وفق ما أخبرت الطلبة، لكن بعضهم يؤكد أنه لا يواجه من أي مشكلة في هذا الجانب، عدا عن أن بعض المقبولين كانت لديهم هذه المشكلة، ولم تكن أسماؤهم في كشف "الترشح الأساس".
وما زاد من معاناة الطلبة، أنهم لن يستطيعوا الترشح لأي منحة أخرى؛ طالما رُصدت أسماؤهم على قائمة الترشح الأساس، إلا في حال اعتذارهم عن المنحة.
أما الطالبة "س"، التي تحفظت على ذكر اسمها، فهي مترشحة لمنحة دكتوراه دفعة 2020، وتُبدي الكثير من الاستهجان بعد استبعادها رغم تأكيدها لوزارة التربية في رام الله موافقتها على الاستمرار، وعدم اعتذارها.
و"س" المتفوقة الحاصلة على درجة "الامتياز" بالتوجيهي والبكالوريوس والماجستير، تؤكد أحقيتها "أكثر من أي شخص آخر" للالتحاق بالمنحة.
وتقول: "واضح أن هناك تلاعبٌ بالأسماء وإسقاط لأحلام وحقوق البعض، حتى أنه تم حظرنا على صفحة سفارة فلسطين بالجزائر عبر فيسبوك حين كنا نستفسر عن أسمائنا".
وبحسب "س"؛ فإن الطالبة "ف. ق" أخبرتهم بأنها مقبولة في المنحة، وحددت اسم الجامعة التي ستدرس فيها "الجزائر2" قبل أن تُصدر وزارة التعليم في رام الله كشف الـ73 اسم المقبولين بالمنحة بشهر كامل.
كذلك تعيش ميساء المدهون صدمة كبيرة بعد استثنائها من كشوف المنحة النهائية رغم أنها الوحيدة المتقدمة لدراسة الدكتوراه تخصص "علوم سياسية" من قطاع غزة، ووضعت على قائمة "مرشح أساس"، وتمتلك المؤهلات والشهادات اللازمة.
وتقول المدهون بغضب: "حرموني 3 سنوات من التقدم لأي منحة في دولة أجنبية أو عربية بداعي وجود اسمي مرشح أساس في منحة الجزائر، وحين يصدر كشف الـ73 المقبولين لم أجد اسمي".
وتضيف: "بعد أن طمأنتني الوزارة في رام الله أن اسمي قيد المتابعة في السفارة للحصول على قبول؛ سافرت إلى مصر وأقمت فيها 6 أشهر بانتظار صدور تأشيرة المنحة للجزائر، لكن الصدمة أنني لم أجد اسمي في الكشف، وعدت بخفي حنين إلى غزة".
وتشير إلى أنه لم يأت قبول لأي طالب دكتوراه من غزة بتخصص "علوم سياسية" في دفعتي 2019 و2020، متسائلة عن أسباب "غياب العدالة" في توزيع المنحة الجزائرية بين قطاع غزة والضفة الغربية، والبالغة 100 مقعد دراسات عليا سنويًا.
وتوضّح الوثائق التي حصل عليها معد التحقيق أن كشف الـ73 مقبولًا في منحتي الماجستير والدكتوراه بالجزائر شمل 29 فقط من غزة مقابل 44 من الضفة، وفي ذلك مخالفة لمبدأ المناصفة في المنح الذي اعتادت الوزارة العمل به بين المنطقتين.
"أسماء دخيلة"
وتعقيبًا على ما قالته سفارة فلسطين بالجزائر للطلبة بشأن عدم صدور قبول لبعضهم بسبب إشكالية في معادلة الشهادات، تقول طالبة- رفضت ذكر اسمها- إنها تعرف طالبة أُخرى قُبلت في المنحة ولديها إشكالية في معادلة شهاداتها، وكانت على قائمة الاحتياط، ولم تكن ضمن "مرشح أساس".
وبحسب ما توصل إليه معد التحقيق؛ فإن طالبَين على الأقل قُبلا في منحة دكتوراه تخصص "علوم تربية"، وجارٍ الترتيب لسفرهما رغم عدم تواجدهما في كشوف منحة دفعتي 2019 و2020 "مرشح أساس"، إذ جرى استبدالهما بآخرَين لم يعتذرا عن المنحة.
ويتطلب لأي ملتحق بالمنحة الحصول على شهادة حسن سير وسلوك من جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية، وشكّلت هذه الشهادة عائقًا كبيرًا أمام الكثيرين للالتحاق بالمنحة، وجرى استبعاد أسماء من لم يحصلوا عليها، واستبدالهم بآخرين.
كما اكتشف معد التحقيق أن الطالبة المقبولة في المنحة "ف. ق" لم تكن على قائمة "مرشح أساس"- وهي ناشطة نسوية بحركة فتح- وتشغل منصب مدير منطقة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتؤكد وثائق حصل عليها معد التحقيق أن الكشوف النهائية للمقبولين في منحة الماجستير (30 اسمًا) شملت اختيار 9 أسماء من 26 مرشح أساس لمنحة 2019، و14 اسمًا من 27 مرشح أساس لمنحة 2020؛ وكانت المفاجأة وجود 7 "أسماء دخيلة" لم تكن موجودة في قائمة "مرشح أساس".
وعلى صعيد الدكتوراه، شملت الكشوف النهائية للمقبولين (43 اسمًا) اختيار 23 اسمًا من 45 مرشح أساس لمنحة 2019، و13 اسمًا من 43 مرشح أساس لمنحة 2020؛ ليتبين أيضًا وجود 7 "أسماء دخيلة" لم تكن موجودة في قائمة "مرشح أساس".
قائمة الـ73
المسؤول بقسم المنح والبعثات في وزارة التربية والتعليم برام الله طه قشمر يقول إن الوزارة تسلّمت قبولًا لأسماء 73 طالبًا من قوائم دفعتي 2019 و2020 لمنحة الماجستير والدكتوراه بالجزائر.
ويوضح قشمر، لوكالة "صفا"، أن الوزارة أبلغت الطلبة بالقبول عبر اتصال هاتفي، مشيرًا إلى أن الوزارة أرسلت للسفارة بالجزائر استفسارًا حول بقية الأسماء التي لم تُقبل.
ويضيف: "رشّحنا جميع أسماء الطلبة للسفارة، وتسلمنا قبولًا لـ73 اسمًا فقط، ولا نعرف إن كانت هناك أسماء أخرى، ولا معلومات لدينا سوى ما نحصل عليه من سفارتنا بالجزائر".
ويشير قشمر إلى أن هناك طلبةً استنكفوا عن المنحة، "ويتم الأخذ بالاعتبار التواصل مع بدلاء من القوائم الاحتياطية".
وينفي المسؤول إدراج أسماء للمنحة من خارج قائمة "المرشح الأساس"، مضيفًا "لا يوجد أي أسماء خارج الكشف سواء الرئيسي أو الاحتياطي، وهناك من اعتذر من القوائم الرئيسية فتم استبداله من قوائم احتياطية".
وتواصل معد التحقيق مع مدير دائرة المنح بوزارة التعليم في غزة أحمد بركة للاستيضاح حول قوائم المنحة، إلا أنه رفض تزويده بكشوف أسماء طلبة المنحة؛ سواء الرئيسية أو الاحتياطية، رغم وجودها لديه.
رد السفارة
مسؤول في السفارة الفلسطينية بالجزائر- رفض التصريح بهويته- يؤكد لوكالة "صفا" قبول الجزائر 92 اسمًا من منحتي عام 2019 و2020 من أصل 125.
ويضيف: "هناك 73 اسمًا تسلموا قبولًا؛ والباقين (19) استنكفوا؛ لذلك لم تُنشر أسماؤهم في الكشف، ولم يحدث أي تلاعب أو تبديل في الأسماء".
ويشير إلى أنه "من غير المعقول أن تبقى أسماء المنحة كما هي، خاصةً وأننا نتحدث عن توقف الأولى منذ ثلاثة أعوام والثانية منذ عامين، وهناك طلبة لديهم مصالح، منهم من استنكف ومنهم من تدبّر أموره".
وبحسب المسؤول؛ فإن الأسماء التي أعلنت عنها وزارة التعليم في رام الله، وعددهم 73، جاءت "بعد أن تم قبولهم في الجامعات الجزائرية، ولا علاقة للسفارة أو الوزارة بفرض أسماء معينة على التعليم الجزائري".
ووصف استئناف المنحة بعد توقفها سنوات جراء جائحة كورونا بـ"الإنجاز الكبير"؛ مضيفًا "نحن تعاونا مع الجزائريين وأنجزنا 80% من أصل 125 اسمًا من منحة الدراسات العليا".
وبحسب المسؤول؛ تبقى عدد من الأسماء الذين تدرس وزارة التعليم الجزائرية ملفاتهم.
ومع بدء العام الدراسي في الجزائر، يرى طلبة فلسطينيون استحقوا منحة "الدراسات العليا" أحلامهم تضيع أمام أعينهم، وتبددت آمال علّقوا عليها الكثير لتحسين ظروفهم، في ظل واقع مأساوي.
وفي النهاية، يبقى التساؤل مفتوحًا عن المعايير التي تم بناءً عليها استبعاد بعض أسماء المرشحين للمنحة الجزائرية بآخرين ليسوا في القائمة الأساسية، وليست لديهم أي إشكالية في الأوراق المطلوبة، مما يثير الكثير من شبهات الفساد وتدخل الواسطة والمحسوبية في إضافة أسماء مقربين على حساب المستحقين.
المصدر: صفا