بينما كان المستوطنون يعربدون في مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة تحت ستار الليل، أو بغطاءٍ من جنود الاحتلال الإسرائيلي، كان ثمة من يُراقب المشهد بصمت منذ أيام، بل وضع نصب عينيه حاجز الجلمة سيء الصيت الذي يتفنن جنود الاحتلال فيه بإهانة الفلسطينيين على أرضهم ويمارسون ساديتهم المعتادة بحقهم، لم يطل الانتظار خاصة بعدما انسكبت عليه مواد شديدة الانفجار لم تُفلح كافة الكوابح أو السواتر بمنع لهيبها في المنطقة مثل اللقاءات والاجتماعات القذرة وزيادة وتيرة العربدة على الحاجز.
بدون مقدمات، يتسللُ اثنين من الشبان من بلدة كفر ذان قضاء جنين بسلاح كارلو وبندقية آلية بعدما ارتدوا ملابس تشبه تلك التي يرتديها جنود الاحتلال، وتقدموا واثقي الخطى حتى كانت النقطة المخطط لها هي تلك التي أرادوها، وفي داخل إحدى الغرف المحصنة داخل الحاجز زغرد رصاصهم، فحدث الإرباك من قبل جنود الاحتلال وفرضوا التعتيم الإعلامي على ما جرى، ليبدأ ناطقهم بتسريب خبراً تلو الآخر بداية بإصابات سبعة ثم بمقتل نائب قائد وحدة في دورية ناحال، وتأكيدًا فما خفي أعظم.
اشتباك حاجز الجلمة بلا تهويل، بالغ الأهمية والحساسية في مسيرة الشعب الفلسطيني وفي إطار الأحداث المتصاعدة في المنطقة وهذا نابع من التالي:
1- جاء الاشتباك بعد ساعات فقط على الاجتماع الذي كشفت تفاصيله العديد من وسائل الإعلام وجمع القادة في المعروفين في حركة فتح والسلطة الفلسطينية حسين الشيخ وماجد فرج مع قادة بارزين من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتم خلاله دراسة قيام السلطة الفلسطينية بالقضاء على طلائع المقاومة المسلحة التي باتت تتمدد من جنين ونابلس. جاءت العملية لتربك حسابات المجتمعين فالمنفذين عبد الرحمن عابد وأحمد عابد "أحد عناصر الأجهزة الأمنية" من جنين المقصودة من الاجتماع، بل وأحد المنفذين من أحد الأجهزة الأمنية المراد منها القيام بخدمة المحتل فكانت الصفعة صفعتين ولتثبت من جديد أن من يقبل بالتعاون مع المحتل ويخون شرف البندقية الفلسطينية هم نفرٌ قليلون أما العناصر والجنود فلهم رأي آخر.
2- هذا الاشتباك جاء بعد حوالي ثلاثة عقود من توقيع اتفاقية أوسلو اللعينة والتي أقرت من خلالها قيادة السلطة الفلسطينية التنازل عن 78% من فلسطين وقبلت التفاوض على ما تبقى منها، فجاء الاشتباك في الذكرى السنوية لأقذر تنازل عرفناه ليؤكد بأن ما اختارته قيادة تلك السلطة التي ينتمي لها أحد المنفذين لا ولن تمثل الكل الفلسطيني وإرادته رغم مرور هذه السنوات الطويلة.
3- كما أن العملية جاءت في ذكرى الاندحار الصهيوني عن قطاع غزة لتؤكد مجددًا بأن خيار البندقية الذي دحر المحتل من غزة هو الخيار الذي يمكن أن يدحر المحتل من الضفة ويلجمه عن مواصلة جرائمه وعربدته وما دون ذلك لا يعدو كونه وهم وذر للرماد في العيون.
4- الاشتباك استهدف حاجز الجلمة وهو حاجز معروف بتحصيناته الكبيرة وجدرانه السميكة وعلى مشارفه قضى العديد من أبناء الشعب الفلسطيني قتلًا واعتقالًا وإهانة، فجاء فارسي جنين ليؤكدا بأن الفلسطيني إن امتلك الإرادة في المواجهة فهو قادرٌ على تجاوز كل التحصينات والأسلاك.
5- جاء الاشتباك بالتزامن مع تحذيرات من قبل قيادة الاحتلال حول سلسلة من العمليات الكبيرة التي يسعى الشباب الفلسطيني لتنفيذها بالضفة الغربية المحتلة وفي إطار تدحرج كرة اللهب ستؤدي لانداع انتفاضة ثالثة هناك تحرق المحتل الإسرائيلي الذي يواصل العربدة والقتل والتشريد للفلسطيني مع غياب الرادع له، فجاء الاشتباك ليؤكد مجددًا أن لا شيء مستحيل على الفلسطيني حينما يُقرر انتزاع حقه ولن يمنعه من ذلك أي شيء وإن كان بزة عسكرية تلوثت بعار التعاون الأمني، فهو قادر على غسلها بشرف المقاومة والمواجهة.
يتضح مما سبق وغيره أن العام 2022م يحمل بين طياته الكثير من المفاجآت على الصعيد الفلسطيني، وهي مفاجآت لن يفلح كل قادة التعاون مع المحتل، أو قادة المحتل أنفسهم على وقفها، وستكون المهمة التي يقوم بها ضباط وقادة الاحتلال زيارة المواقع التي سيتم تسجيلها تباعًا في سجلات الشرف الفلسطيني أن بنادق الأحرار تركت بصمتها فيها، والوقوف حائرين دون فعل يستطيعون القيام به، هذا إلى جانب المهمة التي باتت متكررة الحدوث من جانبهم وهي تحذير جمهورهم من موجة عمليات! دون مقدرتهم على التنبؤ بزمانها أو مكانها.