لا تزال صرخات الصحافية المقدسية "لمى غوشة" تدوي في الآذان وهي خارجة مكبلة اليدين والرجلين من مكتب قاضي المحكمة المركزية (الإسرائيلية)، ليسألها الصحفيان "لمى، كيف حالك"، لترد "بدي أولادي.. بدي أولادي"، فهي لم ترهم منذ 11 يوما على اعتقالها.
بقي الصغيران "كرمل" – 5 سنوات- و "قيس" – 3 سنوات - يسألان "وين ماما" ليشغلهم الأب ياسين صبيح مرة بالسباحة وأخرى بدورة الرسم وساعات كثيرة بتشغيل أفلام الكرتون، فيبقى لسان حالهم يقول "وين ماما" حتى يخلدوا للنوم.
ويذكر الأب أن ابنيه كانا يفهمان أين والدتهما رغم صغر سنهما فكرمل تقول "ماما في السجن لأنها تحب فلسطين (..) وبابا كان في السجن قبل سنة عشان بحب فلسطين كمان"، ومع أن المحتل يريد ترهيب الصغار باعتقال ذويهم الا أن الجيل الصير يفاجئ الكبار بحبهم للبلد ومحاولة معرفتهم ماذا يجري حولهم من أحداث.
بعد عشرة أيام قرر الاحتلال نقل "لمى" للحبس المنزلي ليلا، وبمجرد أن تنسمت الحرية بعد عدة شروط وقيود خرجت من بوابة السجن تصرخ "أولادي أولادي"، كحال الأم الفلسطينية التي تبقى قلقة على أولادها سواء كانت داخل أو خارج المعتقل.
سطوة السلطة والقانون
في الرابع عشر من الشهر الجاري نقلت سلطات الاحتلال الباحثة والصحافية من سجن الدامون، إلى الحبس المنزلي بشروط مُقيِّدة، وذلك بعد انعقاد جلسة استئناف على قرار تمديد الاعتقال.
وتتمثل القيود التي فرضت على "لمى" بالحبس المنزلي والامتناع عن استخدام أجهزة الحاسوب والهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إيداع مبلغ مالي بقدر 50 ألف شيكل.
طيلة الوقت الأم "لمى" في حالة صمت تتبع صغيرها لتشبع عيناها التي حرمت لأيام من رؤيتهما، أما "كرمل وقيس" في حال غابت أمهما عن ناظريهما يسألان فزعا "أين ماما"، لترد عليهما ثم يعاودان اللعب بعد أن يطمئنا لوجودها.
قضت الصحافية أياما قاسية كحال بقية الأسرى والأسيرات لحظة الاعتقال، فهي نقلت بالبوسطة 20 مرة بواقع 80 ساعة خلال أيام اعتقالها، ولم توفر لها احتياجاتها كامرأة، عُزلت انفراديا في زنزانة مراقبة بقسم الرجال في سجن "هشارون" المدني.
وبعد الإفراج عنها تواجه 4 خيارات: الأول قضاء عقوبتها في الحبس المنزلي مع قيد إلكتروني (يوضع في اليد أو القدم) لمراقبتها أو العمل لصالح الجمهور، أو دفع غرامة مالية مع وقف التنفيذ "حكم مسبق بالاعتقال لفترة محددة في حال القيام بأي عمل تعتبره (إسرائيل) مخالفة"، وقد يكون السجن الفعلي هو الحكم الذي سينطق بحقها أيضا.
وتجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة (الإسرائيليّة)، كانت قد قدمت بعد اعتقال لمى مباشرة، لائحة اتهام ضدّها، وطالبت بإبقائها رهن الاعتقال، حتى انتهاء الإجراءات القانونية ضدّها.
وزعمت النيابة العامّة أن غوشة نشرت عبر حسابها في "فيسبوك" عبارات تدعم وتتماهى مع منظمات "إرهابية"، وعبارات تدعم حركة "الجهاد الإسلامي"، وتحرّض على العنف.
وبحسب لائحة الاتهام، فقد نشرت غوشة عبر فيسبوك محتوى باللغة العربية نال انتشارًا، و "وفّر منصة للآخرين للتعبير عن دعمهم للمحتوى" الذي نشرته.
وذكرت اللائحة أنه بعد يوم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى العدوان (الإسرائيلي) الأخير على قطاع غزة، نشرت غوشة صورة لعدد من أفراد "سرايا القدس"- الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهم ملثمون ويحملون أسلحة، فيما كُتب على الصورة: "مع المقاومين دائمًا وإلى الأبد".
وورد فيها أيضا، أن "غوشة قامت بنشر 4 منشورات بعد استشهاد إبراهيم النابلسي، ووصفته بالقدوة والرمز".
يقول المحامي خالد زبارقة: يمكن القول إننا أمام تطبيق لقانون الغاب الذي يسعى إلى العبث في وعي الفلسطينيين بواسطة سطوة السلطة والقانون"، مضيفا: ما نسب إلى الصحفية لمى، منشورات تعكس من خلالها قناعات الشعب الفلسطيني في الأحداث الساخنة على الساحة الفلسطينية.
وذكر زبارقة أن الاحتلال يسعى إلى صهينة الخطاب العام الفلسطيني، أو على أقل تقدير، فرض حالة من التنكر للرواية الفلسطينية حتى على مستوى النشر الإعلامي.
وأكد أن الاحتلال ينتهج السياسات الخشنة من اعتقال وتقديم لوائح اتهام ومحاكمات وتمديد توقيف لكبت الرأي العام وإسكاته، وقد فشلت هذه السياسات عند أكثر الشعوب تخلفاً على وجه الكرة الأرضية، وبطبيعة الحال لن تنجح عند الشعب الفلسطيني العريق