ربما بعد سنوات طويلة، سيقرأ الجيل القادم في جنين قصة عائلة خازم، ويهزون رؤوسهم ويقولون: "إنها عائلة لا تنسى" ثم يتذكرون صورة رعد البطل ذي الوجه الطفولي، وشقيقه عبد الرحمن وهو يمتطي حصانا كفارس حقيقي، قبل أن يخبرنا فعله أن الفروسية لا تليق إلا بأمثاله.
وسيعرض التاريخ صورة سلاح المشتبك على طرف السرير، السلاح الذي بقي وحيدا، وقد ألصق صاحبه على طرفه صورة الشقيق الشهيد.
هكذا عرضت الصورة لبارودة عبد الرحمن خازم، المختومة بصورة رعد شقيقه الذي استشهد في مايو الماضي، حيث بقيت البارودة ورحل حاملها.
أما عن أبو الشهداء، فهو لوحده حكاية أخرى، فهو المطارد فتحي خازم، الذي يرن صوته في آذاننا منذ استشهاد ابنه الأول، اسم لا ينسى، وصوت لا ينسى، وصرخة لا تنسى.
هنا يمكننا أن نقدم قراءة لمشهد المرحلة، حسب معادلات البيع والشراء، فالقابض هنا على سلاحه كالقابض على كل ما للكرامة من معنى، في الوقت الذي تلاحق فيه السلطة حملة السلاح لأنهم قرروا المقاومة، وفي الوقت الذي يحث فيه الاحتلال قطعانه على حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وهم يحتفلون بما يقال عنه رأس سنتهم العبرية.
معادلة النصر والهزيمة هنا لا تكون بالأرقام، وإنما بمن حمل السلاح الشحيح في وجه المدرعات الكثيرة وحيدا، وخاض معركته وحيدا ثم استشهد وحيدا ولا زال يحمل ذات اليقين، لا يغير ولا يتغير.
ليلة طويلة على جنين، بدأت بعد منتصف الليل واستمرت حتى ظهر اليوم، ساخنة تتقلب على جمر النار، كالليلة السابقة، وما قبل السابقة، لكن هذه المرة هناك صاروخ مضاد للدروع، استخدمه الاحتلال ليواجه عبد الرحمن ورفاقه.
دروع أجساد لا تكسر بسهولة، عائلة خازم، رعد سابقا، واليوم عبد الرحمن، وبينهما فتحي خازم، أب مطارد منذ استشهاد ابنه الأول، مطلوب للاحتلال، تعرضت عائلته لمحاولات اغتيال عديدة.
وبالأمس القريب، وقبل أشهر قليلة نجت والدة وشقيقا الشهداء من مخيم جنين، من محاولة اغتيال نفذتها وحدات (إسرائيلية) خاصة في المدينة.
وقال فتحي، والد الشهيد رعد منفذ عملية إطلاق النار في شارع "ديزنغوف" بتل أبيب: إن زوجته وابنيه نجيا من موت كان محققاً؛ عندما حاولت قوات (إسرائيلية) خاصة اغتيالهم وتصفيتهم جسدياً، لدى تواجدهم في المنطقة الصناعية بمدينة جنين.
هذا يعني أن لعائلة خازم معركة خاصة، معركة مختلفة، تتوسط جنين، كشجرة شوك، يبتلع المحتل كل يوم شوكة ويعتقد أنه قد اقتلع كل الأشواك، فتنبت من جديد.
الوالد فتحي خازم مطارد من الاحتلال، وبالطبع من السلطة، منذ استشهاد ابنه رعد، يراهن على نصر وحيد، وربما فقد في طريقه كل شيء لكنه يخبرنا كل يوم أنه سيقاوم لآخر نبض في عروقه.
وقد ذكر الإعلام العبري أن قوة تمكنت من اغتيال عبد الرحمن خازم، بعد إطلاق صواريخ مضادة للدروع تجاه المنزل الذي كان يتحصن فيه مع مقاوم آخر، وقد استشهد مع ثلاثة من رفاقه.