لم تكن صفقة وفاء الأحرار في الثامن عشر من أكتوبر عام 2011، إلا تتويجا لمسار طويل ولجهود مضنية خاضتها المقاومة الفلسطينية الباسلة في سبيل تحرير الأسرى من سجون الاحتلال، وقد سبقها من قبل صفقة الحرائر التي تم بموجبها الإفراج عن 18 أسيرة من الضفة المحتلة، وأسيرة وابنها من قطاع غزة مقابل شريط يظهر الجندي الأسير جلعاد شاليط على قيد الحياة.
شكلت صفقة الحرائر التي يوافق اليوم ذكراها الثالثة عشرة الثمن الأول ونور الحرية لأسرانا الأبطال، وأملا قريبا بالحرية التي أشرقت وتوجت بصفقة وفاء الأحرار لاحقا، فيما مثلت صفعة مدوية وفشلا أمنيا للاحتلال ومنظومته العسكرية.
رضوخ صهيوني
أمام فشل عدوان الاحتلال الشرسة على قطاع غزة في أواخر عام 2008م في استعادة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، رضخ الاحتلال لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة الفلسطينية، بعد العديد من الوساطات وعلى رأس هذه الوساطات جمهورية مصر الشقيقة، أفضت إلى التوصل لتلك الصفقة.
شكلت صفقة الحرائر إنجازا أمنيا ونصرا كبيرا، وحصادا مرا للاحتلال الصهيوني الذي فشل على مدار ثلاثة أعوام من معرفة مصير الجندي الأسير جلعاد شاليط، وأرٌغم صاغرا للإفراج عن عشرين أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو مدته دقيقة واحدة يُظهر "شاليط" على قيد الحياة.
أربك شريط الفيديو المؤسسة الأمنية الصهيونية، وأحدث ضجة عالية ومفاجأة في المجتمع الصهيوني، وأظهر تفوقا أمنيا واستخباراتيا، ونجاحا إعلاميا للمقاومة الفلسطينية التي أدارت الملف بحكمة واقتدار ومسؤولية وطنية عالية.
ولم تمض سوى أيام قليلة، حتى نجحت المقاومة الفلسطينية وبعد سلسلة مفاوضات مضنية، إلى التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى "صفقة وفاء الأحرار" في الثامن عشر من أكتوبر 2011م، وأرغم الاحتلال مجددا للإفراج بموجبها عن ألف و27 أسيرًا وأسيرة على مرحلتين مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
أظهرت صفقة الحرائر، ولاحقا صفقة وفاء الأحرار صلابة وقدرة المفاوض الفلسطيني المقاوم على انتزاع حقوقه المسلوبة، حينما يتسلح بإرادة قوية مبنية على قاعدة المقاومة والمواجهة كخيار استراتيجي حتى دحر الاحتلال.
تحريرهم أولوية
عملية أسر الجندي( الإسرائيلي) جلعاد شاليط ومبادلته، وما تلاهما من عمليات أسر لجنود الاحتلال، عززت من إيمان وثقة ستة آلاف أسير يقبعون خلف القضبان بقدرة كتائب القسام على تحطيم قيود أسرهم، وبزوغ فجر الحرية من جديد.
ويحظى ملف الأسرى الفلسطينيين وتحريرهم من سجون الاحتلال بأهمية خاصة لدى حركة حماس ، وليس أدل على ذلك من تأكيد القائد مروان عيسى في مقابلة سابقة مع الجزيرة بأن ملف الأسرى هو الأهم الآن على طاولة قيادة القسام.
وشكلت عملية أسر شاليط تحولًا نوعيًا في القدرات العسكرية والأمنية والميدانية في العمل الفلسطيني المقاوم، إذ تمكنت وحدة الظل القسامية من الاحتفاظ بالجندي شاليط لمدة خمس سنوات، فيما منيت أجهزة أمن الاحتلال ومخابراته بالفشل الذريع، ولم تتمكن من معرفة مكان احتجازه.
محاولات مستمرة
وبتتبع سجل عمليات الأسر التي نفذتها كتائب القسام منذ انطلاقتها وتأسيس الوحدة "101" المختصة بأسر جنود العدو إلى تأسيس "وحدة الظل" المختصة بحفظ أسرى العدو وتأمينهم، يظهر جليًا اهتمام حماس بقضية الأسرى والعمل من أجل تحريرهم.
ويزخر سجل كتائب القسام بأكثر من 25 عملية ومحاولة أسر، تكلل بعضها بالنجاح والاحتفاظ بالجنود، فيما حالت الأقدار دون نجاح عدد آخر منها، والتي انتهت بالاشتباك مع جنود الاحتلال وقتل الجنود المأسورين.
ولا تزال وحدة الظل في كتائب القسام "على رأس عملها" يحافظون على الأسرى الذين بين أيدينا حتى هذه اللحظة"، وفق ما أكده نائب قائد أركان كتائب الشهيد عز الدين القسام مروان عيسى.
وتؤكد كتائب القسام أنه لا معلومات بدون أثمان، حتى يدفع الاحتلال الصهيوني مرغما الثمن المطلوب لحرية جنوده الأسرى في قطاع غزة، والمتمثل بحرية أسرانا الفلسطينيين من سجونه.
وستبقى حركة حماس الوفية لأسرانا في سجون الاحتلال، تعمل من أجل حريتهم، وستظل قابضة على البندقية حتى تنعم فلسطين والقدس والأقصى بالحرية.