رحلت الحاجة السبعينية جزيلة شقير، وهي منتصرة على الاحتلال (الإسرائيلي) الذي لم تستوعب وجوده يوما، أو تخشى بندقية جنوده، فتعلمت العبرية لمواجهته بعدما سرق أرضها فبرزت مقاتلة شرسة رفضت التفاوض حتى انتزعت أرضها وبقيت تزرعها وتحصد ثمارها دون الاكتراث للدبابات العسكرية.
حكاية "جزيلة" تشبه في تفاصيلها عشرات القصص لفلسطينيات وقفن في وجه المحتل بسلاح اليقين بأنهن أصحاب الأرض ولا وجود لمحتل غاشم عليها، مما كان يكيد الجنود ويجبرهم على رفع الراية البيضاء جارين أذيال الخيبة بعدما تسخر منهم.
منعت ابنة قرية الزاوية قضاء سلفيت، جرافة الاحتلال في السنوات السابقة من مواصلة تجريف أراضي قريتها وبقيت عنوانا للتحدي والصمود.
بدأت معركتها مع الاحتلال ومواجهة جنوده منذ إقامة الجدار العنصري ومنعها من الدخول إلى أرضها إلا عبر بوابة أمنية، لكنها لم تكترث وكانت تصر على الوصول لجمع ثمار الصبر وقطف العكوب وتنظيف أشجار الزيتون من الأعشاب وبعض الأعمال الأخرى، ثم تعود لبيتها وهي تحمل على "الدابة" ما جنته من محاصيل، وفي الوقت ذاته يراقبها الجنود لكنها لم تكن تنصت لأوامرهم وتمضي في طريقها.
وشكلت على مدار سنوات حالة نضالية في وجه الاحتلال الصهيوني وممارساته في سرقة الأرض، وتحديها لجدار الفصل العنصري والحفاظ على ثباتها بأرضها خلفه، كما سجلت الذاكرة والعدسات الكثير من المواقف البطولية لها ضد جنود الاحتلال خلال الانتفاضتين وأثناء بناء جدار الفصل العنصري عام 2004.
وفي إحدى المرات أجبرت "جزيلة" أحد الجنود على حمل أكياس الزيتون على ظهره واستخدمته كـ "عتَّال".
ودوما تدعو المواطنين والشباب إلى عدم الخوف من الجنود والدوريات العسكرية، وتقول: "هؤلاء لا ينفع معهم إلا القوة والمواجهة، وإذا شعروا أن من يقف أمامهم ضعيف يصبحون أسوداً عليه، أما إذا كان صاحب قوة وعزيمة سيخضعون له، وهذا الحديث عن تجربة معهم منذ عشرات السنوات".
وكان الجنود بمجرد أن تتحدث إليهم بالعبرية يصابون بالخوف رغم الأسلحة الفتاكة التي يملكونها فدوما كانت تقاتلهم بالكلمة فينسحبون.
ولقبت الحجة "جزيلة" بعدة ألقاب على مستوى كل من عرفها وشهد على بطولاتها في مقاومة الاحتلال وحماية الأرض الفلسطينية، ومنها أيقونة المقاومة الشعبية، وأيقونة الصمود، راعية الأيتام – كونها ربت أبناءها وأحفادها أيتاما-، حارسة البيدر المكافحة المُحبة للأرض.
كما كانت تعرف بحفاظها على التراث والطابع الشعبي التراثي للقرية الفلسطينية ومنتجاتها، فمن عيدان القمح المفرغة من الحبوب وسعف النخيل، ورثت عن والدتها صناعة أواني القش، وقضت وقتها فيه بجانب اهتمامها بالأرض.
ويرجع الفضل لها في إحياء التراث الفلسطيني في صناعة الصواني والحلل بقش القمح، لتحفظه من الضياع ومحاولات سرقته من الاحتلال.
ودوما كانت وصيتها لأبنائها وأحفادها بعدم الخوف من جنود الاحتلال والذهاب إلى الأرض وعدم تركها، لو كانت الجدران سدوداً منيعة.