قائمة الموقع

ما لا تعرفه عن سيرة القائد القسامي «جمعة الطحلة»

2022-10-13T17:45:00+03:00
غزة- الرسالة نت

في ظلال مرحلة التحرر من الاحتلال التي يعيشها شعب فلسطين المجاهد، نكتب سير أبطال وعظماء خلّدوا أسماءهم في تاريخ المقاومة، وصنعوا بدمائهم ملاحم عظيمة، ورسموا معالم النصر القادم.
وستذكر الأجيال جيلاً بعد جيل، صنيع هؤلاء المجاهدين، وستفخر الأمة بما قدمه هؤلاء الأطهار، وإن من هـؤلاء الرجال الذين كتبوا بجهدهم وعرقهم ودمائهم فصلاً مشرقاً من تاريخ جهادنا ومقاومتنا الشهيد بإذن الله القائد المهندس جمعة عبد الله الطحلة، الذي ترك بصمة عظيمة.
نستعرض في هذا التقرير حياته ومسيرته الجهادية التي شكّلت ملحمة في التضحية ونموذجاً في العطاء والإبداع وتسخير كل وقت وجهد وعلم في خدمة دينه ووطنه وأمته، فآمن بفكرته واعتنقها وقاتل من أجلها وبذل المال والوقت والنفس، وبعد رحلة من العطاء والتضحية، رحل شهيداً برفقة ثلة من الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في معركة سيف القدس دفاعًا عن مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

نشأة القائد

ولد القائد جمعة عبد الله محمد الطحلة في التاسع من نوفمبر لعام 1962م بمنطقة رأس العين في العاصمة الأردنية عمّان، لأسرة فلسطينية تعود أصولها لمدينة الرملة الفلسطينية التي هجّرت عنها عام 1948م إلى قطاع غزة قبل أن تنتقل العائلة إلى الخليل ومن ثم إلى الأردن.
نشأ القائد بين أحضان عائلته على تعاليم الإسلام الحنيف، وتربى على طاعة الله وأحب المساجد منذ نعومة أظفاره، وعرف بهمته العالية وإقباله على الطاعات، وعندما أصبح في مرحلة الشباب كان له دور فاعل في الجسم الدعوي بمسجد بدر، كما تولى مسؤولية "دار القرآن" ونشط في متابعة شؤون المسجد وأنشطته الشبابية.
عُرف رحمه الله بالتواضع والعطاء، دائمًا ما كان يغلب على شخصيته الهدوء، رحيمًا على إخوانه، قريباً منهم يتلمس أمورهم ويسعى على احتياجاتهم، شهد له كل من عرفه وعمل معه بسمو أخلاقه واحترامه، فكان بمثابة الأب والمرشد لهم.

علمٌ وجهاد

أنهى دراسته الثانوية عام 1981م، ثم حصل على منحة دراسية في البوليتكنك التابعة للأونروا لدراسة الرسم الهندسي، وفي عام 1982م انتسب لجامعة بيروت لدراسة المحاسبة، ليلتحق فيما بعد بالجامعة الأردنية لدراسة العلوم الشرعية.
وخلال دراسته قرّر السفر إلى أفغانستان للقتال مع الدكتور الشهيد عبد الله عزام وهناك أكمل دراسة العلوم الإسلامية، واكتسب خبرته الجهادية والعسكرية، وكان رحمه الله متبحرًا في العلوم الشرعية، وبارعًا في تخصص الهندسة، ولديه اطلاع واسع على مختلف العلوم بشتى مجالاتها وتخصصاتها، وبذلك تشكلت شخصيته العلمية الناضجة وتشكل فكره الإسلامي المجاهد.
لم ينشغل أبو مجاهد خلال سني حياته عن تحصيل واكتساب العلم والمعرفة وتطويعها لخدمة الجهاد والمجاهدين، جهادٌ بدأه صيف عام 1982م أثناء مشاركته مع المقاومة بالتصدي للاحتلال الصهيوني جنوب لبنان، ثم تطوّر خلال سنوات قتاله مع المجاهدين في أفغانستان وباكستان، إلى أن انتهى به المطاف مجاهدًا وقائدًا في كتائب القسام.
عرف القائد بفكره المستنير، ورؤيته الثاقبة، ونظرته إلى الأمور من عدة جوانب، وسعى جاهدًا إلى تخطي العقبات التي كانت تواجه سير عمله، فقد مكنته هذه الصفات من تولي مسؤولية العديد من الملفات وإنجاز الكثير من المهمات.

في صفوف الكتائب

عام 2004م، قرر أبو مجاهد مغادرة الإمارات تاركًا رفاهية الحياة واستقرار عمله هناك ملبيًا نداء الواجب الجهادي، بعد أن طلبت منه قيادة حركة حماس في سوريا الانضمام للعمل الجهادي لكتائب القسام، ليبدأ عمله في قسم التصنيع العسكري للحركة في دمشق، وتنظم حينها في صفوف الحركة وأصبح مسؤولا لقسم التصنيع خلال فترة وجيزة، حيث ظهرت إبداعاته وأحدث أثرًا ونقلة نوعية في تطوير أعمال التصنيع العسكري.
خلال عمله ضمن التصنيع العسكري في الخارج، حرص أبو مجاهد كل الحرص على إمداد المجاهدين داخل قطاع غزة بكل ما يلزم من احتياجات ومستلزمات، مؤديًا عمله على أكمل وجه.
وبالرغم من جهوده الكبيرة في خدمة مشروع المقاومة خارج فلسطين؛ إلا أنه آثر أن يذهب بنفسه إلى غزة، ليكون بين إخوانه، ويعمل معهم ويصقل معارفهم بخبراته التي راكمها طيلة سنوات عمله في محطات الخارج، ويلامس معهم عن قرب التحديات والعقبات التي تواجههم، ويحاول دائمًا أن يجد الحلول لها.
حاول المهندس الوصول إلى قطاع غزة عام 2009م، واستمرت محاولاته مدة عامين تعرض خلالها للاعتقال من قبل السلطات المصرية، إلى أن تمكن من دخول قطاع غزة عام 2011م، ليندمج مع إخوانه في كتائب القسام ويبدأ مرحلة جديدة من الإعداد والتطوير.
أحدث أبو مجاهد نقلة نوعية في كل ملفٍ تولى إدارته وأحدث إضافات فارقة ساهمت في تطوير العمل العسكري في صفوف كتائب القسام، ومن هذه الملفات: الطائرات المسيرة، وسلاح السايبر وغيرها.

جهوده في الطيران المسيّر

اهتم المهندس أبو مجاهد بصورة كبيرة بالطائرات المسيرة وآلية تصنيعها، وقام بإعداد بعض الرسومات والهياكل للطائرات المسيرة؛ ونظراً لاهتمامه بهذا الجانب، تولّى الشهيد أبو رحمة مسؤولية ملف الطيران المسيّر في الدائرة العسكرية في الخارج قبل انتقاله إلى غزة، موجهًا جلَّ اهتمامه لهذا الملف، ومسخّراً كل جهده وإمكاناته في هذا الجانب.
قاد أبو مجاهد عملية إنجاز مشروع الطائرة المسيرة في الخارج بكل مسؤولية، واجتهد عازماً كل العزم على إنتاج وتصنيع هذا السلاح وإدخاله إلى ساحة القتال ورفد المقاومة بأداة قتال جديدة ومهمة، ففي عام 2008م تمكن برفقة عدد من المهندسين من تصنيع 30 طائرة مسيرة وحاول إدخالها إلى قطاع غزة؛ إلا أن ظروف الحصار وقطع خطوط الإمداد حالت دون تحقيق هذا الأمر.
عمل تحت قيادته وإشرافه طاقم من المهندسين، ضمّ بين صفوفه الشهيد القسامي محمد الزواري من تونس والشهيد القسامي محمود فارس، وانتقلوا إلى غزة بهدف نقل الخبرات إلى مجموعة العمل الأولى في الطيران المسيّر داخل غزة، والتي ضمت الشهداء حازم الخطيب وظافر الشوا وسامي رضوان ليتمكنوا من إنتاج النموذج الأول من طائرة أبابيل بنجاح على أرض غزة وحلّقت في سمائها، وقد كان لهذه المجموعة من الشهداء والمهندسين الفضل بعد عون الله وتوفيقه في إدخال هذا السلاح النوعي للخدمة العسكرية.
وبذلك انتقلت تجربة المهندس أبو مجاهد في هذا المسار إلى دوائر التصنيع العسكري داخل غزة، ليحقق مهندسو القسام بقيادته مسارات ناجحة ويتمكنوا من إنتاج أجيال وأنواع متعددة من المسيّرات، منها طائرات شهاب الانتحارية والزواري الاستطلاعية والهجومية، وغيرها من النماذج والأجيال المطورة.

سلاح السايبر

وفي إطار رؤية وتطلعات قيادة القسام تم التوجيه بتشكيل سلاح السايبر ‏الخاص بالكتائب القسام، فكان أبو مجاهد هو ‏الشخصية الأنسب لهذه المهمة، ليتولى مهمة الإشراف برفقة مجموعة من الأخوة على تأسيس هذا السلاح، حيث تابع مراحل بناء هذا الجسم الحديث متابعة حثيثة، وتبنى الملف بكل قوة ومسؤولية، ليتم الانطلاق خلال شهر أكتوبر لعام 2014م، بمهام البحث والاختراق داخل برمجيات ومؤسسات الاحتلال الأمنية.
أنجز القائد في تأهيل هذا السلاح وتطويره مراحل مُهمّة وجعله سلاحاً قوياً وفعّالاً وجاهزاً لتنفيذ المَهمّات والهجمات، وكُل ذلك خلال وقتٍ قصيرٍ نسبياً، كما أشرف بشكلٍ مباشر على تنفيذ عدة هجمات سيبرانية ضد مواقع العدو العسكرية المحاذية لقطاع غزة، وقاد عملية استهداف منظومات العدو الحيوية بالإضافة لمؤسسات ومعاهد عسكرية.
وقد تمثلت أولى الهجمات السيبرانية التي نفّذها السلاح كمهمة تجريبية، للتأكد من القدرة على السيطرة والتموضع داخل أنظمة التحكم لدى الاحتلال، وقد وُجهت هذه الهجمة على مغتصبة نير عام وكيبوتس مفلاسيم، وبالفعل تم الولوج إلى نظام التشغيل الذي يتحكم في تغذية التيار الكهربائي لكل مرافق الكيبوتس، وتم قطع التيار الكهربائي عن جميع هذه النقاط كاملة عبر لوحة التحكم.
وبتاريخ 4/5/2019م وخلال عدوان الاحتلال على غزة، نفذت الوحدة هجمة كبيرة تُجاه أهداف للاحتلال تم تحديدها ورصدها مسبقًا، وطالت 30 ألف هدف معظمها لمنشآت أمنية وعسكرية وقواعد عسكرية، الأمر الذي حاول الاحتلال وقفه بكل الوسائل بما فيها القصف الجوي ولكنه فشل في ذلك.
ومن ضمن هجمات الوحدة أيضا التموضع في نظام صافرات الإنذار الخاص بشركة "ايفقلوا" الذي كانت تفاخر فيه الجبهة الداخلية لجيش العدو، حيث تم تفعيل الخدمة في مناطق متعددة، وعلى إثر الهجمات ألغى الاحتلال هذا النظام وأسقطه من الخدمة.
أحدثت العمليات التي نفّذها سلاح السايبر ضربة مؤلمة للعدو الصهيوني، وشكّلت هاجسًا مرهقًا، وتحديًا كبيرًا، لدى منظومة العدو الأمنية والعسكرية، فكثّف العدو هجماته على السلاح وكوادره، مستخدمًا الكثير من الأساليب، من بينها الاغتيال المعنوي والملاحقة ومحاولات الاغتيال، حيث حاول العدو استهداف مجاهدي السلاح بشكل مباشر، وقد ارتقى على إثر هذه الملاحقة الشهيد القسامي المهندس محمد الطواشي خلال معركة سيف القدس.
وفي إطار تعميق وتقوية العمل السيبراني أنشأ أبو مجاهد جسمًا مساندًا وأطلق عليه اسم "جيش القدس الإلكتروني"، وتقوم فكرته على حشد أكبر قدر ممكن من الطاقات الشابة والفاعلة على مستوى أمتنا العربية والإسلامية والتي لديها خبرة في المجال السيبراني وتوجيهها لشن هجمات سيبرانية ضد مصالح العدو ومنظوماته.
وبذلك انطلق سلاح السايبر، ليصبح أحد الأسلحة السرية في كتائب القسام، ويضم عددًا من المتخصصين البارعين في المجال السيبراني الذين يتطلب منهم العمل في سرية تامة والتخفي عن أنظار العدو الصهيوني بشكل تام.

إلى الجنان

عقليتُه الفذّة، وعملُه النوعي، وأداؤه المميز في كتائب الشهيد عز الدين القسّام، جعلاه محط أنظار أجهزة أمن العدو الصهيوني؛ فأصبح شهيدنا عرضة للملاحقة والاستهداف.
قصفت طائرات الاحتلال شقته السكنية عام 2012م، وفي عام 2014 تعرض منزله للاستهداف مرة أخرى، لكن العالِم الهَصُور لم يخضع ولم يجزع وبعزيمته التي لا تلين واصل عمله بجهدٍ دؤوب بلا كللٍ أو مللٍ، مستحضرًا قول الله: "وأعدوا لهم ما استطعتم".
وبعد رحلة طويلة من العطاء، حُق لهذا القائد الفذّ، والعالِم الزاهد، أن يرتحل عن دنيانا، قاصدًا جوار ربه، بعد أن أدى ما عليه، ضاربًا أروع الأمثلة في التضحية والفداء؛ ليلقى ربه وما غير أو بدل، مجاهدًا، صابرًا، صائمًا، لينال أسمى ما كان يتمنى.
ارتقى المهندس جمعة الطحلة شهيداً بتاريخ 12/5/2021م، الموافق 30 رمضان 1442ه، رفقة ثلة من إخوانه القادة والمهندسين بعد استهدافهم بالطيران الحربي الصهيوني خلال معركة سيف القدس.
نم قرير العين يا أبا مجاهد فإخوانك وتلاميذك سيواصلون الدرب من بعدك حتى النصر والتحرير.

اخبار ذات صلة