ولأن للشهداء نصيب من أسماءهم كان لقيس شجاعية – 23 عاما - النصيب الأكبر، فهو المقارع للاحتلال منذ صغره بالحجر وبالسلاح شابا، لينهي به الطريق فجر اليوم شهيدا على حاجز بيت إيل بعد تنفيذه عملية إطلاق نار تجاه المستوطنة المقامة على أراض شمال رام الله.
يشهد حاجز مستوطنة بيت إيل، على صولات الشهيد شجاعية، فحين كان فتى بعمر الخامسة عشر، وقت انتفاضة القدس 2015 أصيب عند الحاجز فكان "جريحا ومن ثم أسيرا"، وبعد سنوات عاد بسلاحه الممشوق يحارب المحتل ويرتقى عليه شهيدا.
على جدران منزله نقشت عبارة "إن الحياة عقيدة وجهاد" وهذا دليل على نشأته البطولية في بيت يحث على الجهاد وحب الوطن، فهو شقيق "بهاد الدين" المعتقل إداريا.
تحكي أمه تفاصيل حياته القصيرة قائلة:" كان مطيعا وهذه سمة الشهداء، لم أنسى يوم اصابته وكيف حاولت الوصول إليه في مستشفى هداسا بعدما نقل للعلاج هناك ومن ثم اعتقاله وخروجه بكفالة مالية.
منذ ذاك الوقت بقيت تراقبه وتلهيه خشية أن تخسره، في اليوم الأخير قبل استشهاده بقي طيلة الوقت يطلب منها أن ترضى عنه، فتساءلت " ليش بتقول هيك"، ليرد عليها "لو استشهدت خليكِ قوية متل أم إبراهيم النابلسي"، فردت: من حزني سأكون ضعيفة.
بقي قيس يقوي عزيمة والدته لتتقبل لحظة شهادته ويخبرها " هل تقبلين ما يجري في الأقصى ومخيم شعفاط وجنين ومدن الضفة؟، لترد عليها: باستشهادك شو حتغير وأنت واحد فكان رده الأخير معي الله.
هذه حوارات الأمهات مع ابنائهن الثوار، ليست ضعفا أو استسلاما بوجود المحتل، بل هو قلب الأم الذي تخشى على أبنائها، لكن حين يقع الحدث تكون صامدة قوية تمنح كل من يأتي إليها معزيا القوة والثبات، فالوطن ليس أرضا يعيش عليها الفلسطينيون فحسب بل أم تحتضنهم.
تقول والدة قيس:" قبل يوم من استشهاده كنت أتابع الأخبار وأشاهد أمهات الشهداء وهن يودعن أبنائهن وبقيت أردد: الله يصبرهن معقول أكون مثلهم.
قيس المحبوب بين رفاقه وعائلته، معروف عنه أنه كان يقضي شهر رمضان في المسجد الأقصى متطوعا لخدمة المصلين، ويعود لعائلته في اليوم الأول من العيد، كان الأقصى بالنسبة له خط أحمر، يثور غضبا عند مشاهدة المقتحمين يدنسوه، لذا كان دوما مرابطا هناك.
وبالنسبة للاحتلال بعدما تأكدوا من هويته بعد استشهاده كعادة الجنود اقتحموا بيت العائلة ودمروا وعاثوا خرابا في البيت، ثم بحركة استفزازية طلب ضابط المخابرات ويدعى " مورينو" والده ليريه جثمان "قيس" ثم قال له " ابنك محتجز راجع الحكومة" وبذلك يندرج تحت قائمة الشهداء المحتجزة جثامينهم.
ولم يكتف الجنود بذلك بل دفع أحدهم والدة الشهيد، حتى ثار الشباب المتواجدين في البيت ، فأطلق الجنود الغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية.
أما عن شقيقه المعتقل "بهاء الدين" كانت عائلته تخشى أن يعلم بالخبر وتحاول التمهيد له، ليفاجئهم باتصال من السجن يشد من أزر والديه ويمدهم بالصبر والثبات بمعنويات عالية.
لا تنته حياة الشهداء برحيلهم، بل تبدأ لتكون نهجا يسير عليه الثوار، فهذا قيس الشجاع الذي استبسل في محاربة العدو لايزال كل من يعرف خبر استشهاده يتذكر مواقفه وهدفه الذي كان يردده داخل حلقات الأبطال.