تزامنا مع الذكرى العاشرة لصفقة وفاء الاحرار، كان موعد المحررة نسرين أبو كميل قبل عام مع الحرية، بعدما أمضت ستة أعوام في السجون (الإسرائيلية) برفقة عدد من الاسيرات اللواتي تشاركن في المعاناة داخل أقسامهن التي تفتقر لأدنى الإمكانيات الصحية لتؤهلهن العيش فيها.
حال الأسيرات داخل معتقلات الاحتلال، تماما كما الأسرى فذات المعاملة القاسية والعقوبات المفروضة، بالإضافة إلى الإهمال الطبي الذي أدى لإصابتهم بأمراض مزمنة نتيجة تضاعف الألم وعدم استجابة مصلحة السجون لمداوتهن.
وكانت اخر ضحايا سياسة الإهمال الطبي المسنة الأسيرة سعدية فرج الله التي توفيت وقت الفورة نتيجة تضاعف المرض لديها في يونيو من العام الجاري.
أنصتت "الرسالة نت" للمحررة أبو كميل لتروي معاناة الأسيرات لاسيما اللواتي يعانين المرض وكيف تتعامل معهن مصلحة السجون، بمجرد الحديث إليها صمتت قليلا وكأن "المواجع تقلبت عليها" وهي تستذكر تفاصيل قاسية مرت بها ورفيقاتها في الأسر، ولا يمكن لأحد تصورها إلا من عايشها والقول لها.
قبل الحديث عن المعاناة، كانت قد عادت لتوها من زيارة طبيب القلب الخاص بها فهي بدأت تعاني من ضعف عضلة القلب منذ اعتقالها.
بداية تقول أبو كميل:" منذ اعتقالي 2015 وخاصة وقت التحقيق القاسي أصبت بالضغط والسكر نتيجة ما تعرضت له من ضغوط للاعتراف بقضايا لا شأن لي فيها (..) عدا عن تفكيري وقلقي على زوجي وصغاري"، مضيفة: اليوم أنا بحاجة لعلاج دائم نتيجة الإهمال الطبي الذي وجدته في المعتقل عدا عن حاجتي كما أخبر الطبيب لإزالة الرحم.
وتعلق:" الحياة داخل السجن صعبة ومهينة، فما بالكم لو كان الأسير مريضا تكون معاناته الضعف، فطيلة الوقت يحاول كتم أنين ألمه كي لا يزعج زملاءه في الغرفة وذلك تكرر أمام عينها كثيرا خاصة من قبل الأسيرة إسراء الجعابيص التي كانت تضغط دوما على وجعها كي لا تزعج من حولها".
وتصف سنوات سجنها الست بأنهم ستين عاما، قاست فيهم المرار فهي اضطرت بعد محاولات عدة مع مصلحة السجون بالسماح لها بإجراء عملية في أصبع رجلها بسبب مرض السكر خوفا من بترها لو تأخرت.
وتؤكد المحررة أبو كميل أن ما يصفه الأسرى والأسيرات المرضى عن حجم معاناتهم داخل السجون (الإسرائيلية) ما هو إلا شيء بسيط من واقعهم، فنقل الشهادات الحية على لسان من عاش تلك الظروف بالكاد يصف الوضع الحقيقي داخل الأسلاك الشائكة.
ووفق إحصائية أخيرة لنادي الأسير الفلسطيني فإن 73 فلسطينيًّا فقدوا حياتهم نتيجة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وكانوا من بين 231 شهيدا من شهداء الحركة الأسيرة واخرهم السيدة سعدية فرج الله.
تكاتف الأسيرات
ولأن وضع الأسيرات له خصوصيته إلا أن مصلحة السجون تعاملهن بقسوة ولا تكترث للاستجابة لمطالبهن في العلاج، ومع ذلك يتكاتفن فيما بينهن ويساندن بعضهن في توفير العلاج، وتوضح أبو كميل ذلك أنه نتيجة نقص بعض الأدوية كالفيتامينات والمسكنات، قد تضطر إحداهن التنازل عن نصيبها حال وفرته إدارة المعتقل لأسيرة وضعها الصحي سيء كما يفعلن باستمرار مع الاسيرة الجعابيص.
وتقول:" في بعض الأحيان تضطر الاسيرات شراء بعض الأدوية اللازمة عبر "الكنتنيا" فمثلا يكون سعر برهم معين عشرة شواكل، بينما في الخارج يكون بسعر أقل".
وتحدثت أبو كميل أكثر عن الأسيرة الأصعب وضعا الجعابيص أنها تعاني حروقا كثيرة وبحاجة إلى "براهم ومسكنات" بشكل مستمر، وتضطر لشراء بعض من أدويتها عبر الكنتنيا بسعر مضاعف جدا حال أمكن ذلك.
وتشير إلى أن بداية التعذيب للأسيرات المريضات تبدأ عند نقلهن في "البوسطة" – فيشتد ألمهن خاصة وأقدامهن مقيدة بالسلاسل وعناصر "النخشون" يجرونهن لعدم تمكنهن السير بشكل طبيعي.
وبحسب قولها فإن غالبية الأسيرات يعانين من نقص الفيتامينات وكثيرات تلازمهن الدوخة المستمرة وهبوط في الضغط بسبب الظروف البيئية الغير ملائمة، مشيرة إلى أن هناك أسرى وأسيرات يعانين أمراضا نفسية صعبة وبحاجة إلى أدوية معينة لكن مصلحة السجون ترفض علاجهم بحجة أن ذلك "وهم".
وأسوء شعور لدى الأسيرات، حين يأتيهن خبر وفاة أسير مريض، يقمن له العزاء ويلازمهن الصمت ويبقى السؤال الذي يتردد في أدمغتهن " هل سنخرج أحياء؟".