في المستشفى، حينما خرج جثمان الشهيد الصبي صلاح بريكي، ألقت أمه نظرة أخيرة على وجهه الأصفر وقبلت يديه وهي تقول: "قوم يا صلاح، يالله نروح على الدار يمه" لكنه لم يرد.
ثم هدأت نيران الصدمة الأولى، وبدأت الأم تستذكر كلمات ابنها قبل يومين، عندما حلق شعره مثلما فعل عدي، وكان يردد لأمه أنه سيستشهد، ويوصي باختيار مكان دفنه في المخيم، تتابع الأم: "كل هذه الوصايا قالها لي، لم يكن لديه أحلام كإخوته، اشتغل وهو صغير، لم يكن لديه سوى حلم الشهادة.
ورغم إحساس الأم الذي صدق، إلا أن واقع الفقد مختلف، لذا كان فقده موجعا لعائلته.
الشهيد عمره تسعة عشر ويعمل في بيع الخضراوات مع والده، استهدفته قوات اقتحام الاحتلال أثناء اقتحامها مدينة جنين كما تفعل منذ بداية العام، وما إن وصل إلى مستشفى جنين حتى أعلن عن استشهاده.
والده يقاوم لوعة القلب في فقدان ابنه ويقول: "فدا فلسطين وفدا رسول الله عليه الصلاة والسلام، لدي ستة أولاد، وأصبحوا خمسة، ونحن راضون ومبسوطون، وهو شهيد عند الله ولا أمانع أن يذهب إخوته جميعا فداء للوطن، هذا احتلال غاشم، يقتل المدنيين، كان ابني ماشيا في الطريق مع رفاقه حينما أطلق الاحتلال النار عليهم بدم بارد ومات صلاح".
لقد تمادى الاحتلال في تنكيله بأهالي جنين ونابلس التي يحاصرها لليوم الثاني عشر، يفعل ما يشاء لتحقيق أهدافه الانتخابية على حساب الدم، فعلاوة على استشهاد صلاح فقد أصابت مدرعات الاحتلال ثلاثة من رفاقه، وكانت جنين كان لها النصيب الأكبر في دفع ضريبة الاحتلال هذا العام.
ونقل باحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن شهود عيان قولهم، إن بريكي أصيب لحظة اقتحام قوات الاحتلال للمدينة، وكان وقتها في الشارع مع مجموعة من الشبان.
وبحسب المركز، فإن الاحتلال قتل خلال الأسبوع الماضي ثلاثة فلسطينيين، ما يرفع حصيلة الشهداء خلال الشهر الحالي إلى 15، غالبيتهم من المدنيين، منهم 5 أطفال وفتيان.
ونعت حركة حماس الشهيد صلاح بريكي (19 عامًا)، الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال خلال التصدّي لاقتحام مدينة جنين الليلة الماضية. وجددت عهدها بالانتقام لدماء الشهداء، مضيفة في بيان لها: "إنّ دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وإنّ ثورتهم ضد المحتل ستزهر نصراً وتحريراً وتمكيناً، بإذن الله".
وأكد بيان الحركة أنَّ اقتحامات الاحتلال وحصاره للمدن لن يكسر إرادة شعبنا وتمسكه بحقوقه وإيمانه بوعد الله القريب بالتحرير الشامل والعودة.
وتفيد الأرقام بأنه منذ بداية العام وحتى بداية أكتوبر استشهد 165 فلسطينيا في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، منهم 88 خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.