تعيش الضفة الغربية حالة مقاومة تتفجر في وجه الاحتلال وتنتقل بسرعة ما بين المدن، في ظل فقدانه السيطرة، حيث أعلن الاحتلال عن مقتل 25 جنديًا ومستوطنًا في عمليات فلسطينية منذ مطلع العام الجاري، حسبما أفاد موقع يديعوت مهشيتح العبري.
ويعلق المحلل السياسي والكاتب تيسير محيسن على تصاعد الأمور في الضفة قائلا: "نحن نتكلم عن رقم كبير وله تأثير في المجتمع (الإسرائيلي)، وهذا مؤشر على أن الواقع الذي يعيشه الاحتلال اليوم غير مريح وهو في حالة استنزاف.
ويبين أن ما يجري له انعكاسات سياسية وتوجهات أمنية متعلقة بالمزاج العام الشعبي تجاه الحكومة وجيش الاحتلال.
ويلفت محيسن "للرسالة" إلى أن العمليات الفردية اليوم لها بعد استراتيجي يحدث حالة قلق وإرباك لدى المستوى الأمني السياسي (الإسرائيلي)، متوقعا أن يطور الاحتلال الأدوات المستخدمة في التعامل مع العمليات كما جرى في عمليات الاغتيال الأخيرة.
ويرى محيسن أن هذا التطور في استراتيجية التعامل مع العمليات يعتبر طريقة نوعية بالنسبة للاحتلال ومؤشرا خطيرا بعد أن تعود على استخدام الأسلوب التقليدي في التعامل مع الواقع الأمني في الضفة وعمليات الاجتياح والاقتحام وحالات الاشتباك.
وقال: "اليوم هناك أكثر من طرف للتنسيق الأمني وهناك من يستثير حفيظة السلطة وإقناعها بأن اتساع هذه القوة المقاومة يهدد وجودها، وهذا ما جعلها تجتمع لاحتواء ظاهرة عرين الأسود والقضاء عليها بالكامل".
وفي ذات السياق يقول الصحافي محمد القيق:" بالنظر في تسلسل الأحداث والعمليات وجغرافيا المقاومة المتذبذبة بين النقب وأم الفحم والخليل ورام الله والأغوار ابتداء من نابلس وجنين وليس انتهاء بالقدس، فإن نوعية العمل الذي يشبه المنظم ونجاحه الأمني بفعل أنه فردي يجعل الأمر معقدًا في التفكيك اللحظي لهذا التطور.
ويضيف القيق في مقال له:" لكنه يبقيه تحت نار المخابرات وطرق ووسائل امتصاص تلك الثورة، خاصة أنها باتت مؤرقة جدًّا لهم على كل الصعد، وتم نشر واستنزاف كل القوات العسكرية والوحدات الخاصة والبحث الأمني والإلكتروني الرامي لإعادة الهيبة للأمن (الإسرائيلي) والردع الذي كانت تتغطى به منظومة الكيان لتوفير الاستيطان وتعزيزه".
ويرى القيق أن المشهد بات خطيرا اليوم بالنسبة للاحتلال كما أنه حساس بالنسبة للفلسطينيين الذين اخترقوا حاجزًا مهمًّا في التخلص من الردع الممارس والمتابعة الحثيثة.
وبدوره، يقول المحلل والكاتب سامر عنبتاوي من نابلس:" الاحتلال يريد أن يثبت للعالم أن هناك تبريرا تجاه ما يفعله ولكي نواجهه يجب القول أن هناك 25 قتيلا (إسرائيليا) مقابل 177 شهيدا فلسطينيا وبالتالي فإن من يمارس العدوان هو الاحتلال وكل ما يفعله الفلسطيني هو مقاومة هذه السياسة.
ويؤكد عنبتاوي على فكرة حماقة الاحتلال في التعامل مع القضية، متسائلا: كيف يمكن أن تمر الاغتيالات على الحواجز والاجتياحات والحصار واقتحامات الأقصى دون رد، كيف يمكن أن يمارس الاحتلال ساديته بهذا الشكل دون أن يكون هناك مقابل؟!
ويضيف عنبتاوي هناك ثلاث خيارات لدى الاحتلال حاليا سيمارس أحدها بشكل أو بآخر لاعتقاده أنه بذلك سيقمع فلسطينيي الضفة والقدس، أولها الاجتياح الشامل وهذا مستبعد حاليا لتكلفته العالية ولأن الاحتلال مقبل على انتخابات.
ويتابع: والخيار الثاني هو استمرارية الحصار والمعارك كما يفعل في نابلس، أما الثالث الذي على ما يبدو أنه قد اعتمده وهو خيار الاغتيالات الذي بدأ بتطبيقه في الضفة.
ولكن لأن الاحتلال يريد الخروج من مأزق الضفة دون أي جهد أو خسارة، فإنه يحاول الاستمرار في كسب السلطة وتطويعها لصالحه وهنا يعتقد الكاتب نهاد أبو غوش أنه وحتى تحقق (إسرائيل) مآربها عليها أن تنجز هدفين: أولهما اختزال دور السلطة وتحويل هذا الدور من كونها ترتيبا مؤقتا، ونواة للدولة المستقلة، إلى تأبيد الوضع الراهن وحصر مهمتها في القيام بالوظائف التي تخدم (إسرائيل) وهي إعفاؤها من عبء التعامل مع ملايين الفلسطينيين، والدور الأمني، وإشاعة انطباعات بأن ثمة عملية سياسية جارية على الرغم من العراقيل التي تعترضها.
أما الهدف الثاني من وجهة نظر أبو غوش فهو إخضاع الفلسطينيين وكسر إرادتهم ودفعهم للقبول بأهون الشرور.
وأكد أن مشكلة قادة (إسرائيل) المزمنة هي أن حربهم التي يخوضونها منذ سنوات طويلة ليست ضد دولة أو جيش أو تنظيم، بل هي ضد شعب مسكون بإرادة الحرية.