يتساءل من يعيش خارج الضفة المحتلة ويشاهد جيبات الاحتلال العسكرية وهي تقتحم المدن والقرى في منتصف الليل وحتى في وضح النهار، كيف يمكنهم الاقتحام بهذه السهولة ومن ثم الانسحاب إلى داخل المستوطنات دون مقاومة أو عناء؟!
ومن الواضح أن الاقتحامات تجري بشكل مفاجئ ثم تعقبها عبارة "انسحبت القوات الخاصة واعتقلت أحد المقاومين"، في حين لا يوجد أثر لأفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
طرحت "الرسالة نت" عدة تساؤلات حول طريقة الاقتحام التي يقوم بها جنود الاحتلال، والظروف الأمنية التي تحيط بتلك العمليات، بالإضافة إلى طبيعة المقتحمين ولأي جهة أمنية في (إسرائيل) ينتمون".
بداية ذكر ياسر مناع المختص في الشأن الفلسطيني أن الاحتلال يتواصل قبل أي عملية اقتحام مع أجهزة السلطة الأمنية خاصة جهاز الارتباط لإبلاغهم أن هناك حدثا أمنيا سيتم في توقيت معين، وبناء عليه تنسحب الأجهزة الفلسطينية من مداخل المدينة أو القرية المراد اقتحامها إلى مقراتهم الخاصة.
ويوضح مناع "للرسالة نت" أن دوافع الاقتحام إما اعتقال أو اغتيال، وجرت العادة أن تكون اعتقالات ليلية أو اقتحام محلات لمصادرة كاميراتها لتفريغها والوصول لمعلومات معينة، مشيرا إلى أن التصدي لتلك الاقتحامات يكون من طرف المواطنين.
وبين أن التصدي كان في السابق بالحجارة، أما اليوم فالوضع بات مختلفا حيث يغلق المقاومون مداخل المدن ويطلقون النار على الوحدات المستعربة أو حتى سيارات الجيش.
وأكد أن حرية العمل والاقتحامات في مدن الضفة نشطت بعد عملية السور الواقي 2002 وأصبح بإمكان جنود الاحتلال الدخول بكل سهولة، لافتا إلى أن الوضع في غزة مختلف وصعب ويكلف الاحتلال الكثير حال فكر بالاقتحام فهناك عوائق كثيرة تمنعه كالمرابطين على الثغور ووجود أجهزة أمنية ذات عقيدة مختلفة عن الموجودة في الضفة، عدا عن إمكانية وقوع حرب.
وحول طريقة الاقتحام أشار مناع إلى أن المستعربين يدخلون بسيارات خضار أو تجارية حسب المنطقة، وقد يكونون جنودا بلباس عسكري داخل تلك السيارات، مستذكرا عملية اختطاف "كرم المصري" حين كان يرقد في المستشفى بعدما نفذ عملية 2015 حيث جرى التسلل إليه واختطافه بزي مريض.
ولفت إلى أن قوات المستعربين أو الجنود حين يتسللون للاقتحام يكون بالقرب منهم قوات أخرى لإسنادهم على مداخل القرى والمدن في حال وقع اشتباك.
****وحدتا جفعاتي واليمام
وعلى غير العادة وتبعا لاشتعال الأوضاع في مدن الضفة ومع استبسال ثوار عرين الأسود خصص الاحتلال وحدتي قتال لقمعهم وهما نخبة النخبة في جيش الاحتلال؛ جفعاتي واليمام.
وتشكل لواء جفعاتي؛ أول مرة عام ١٩٤٧ ثم تم حله؛ وأعيد تشكيله عام ١٩٨٣ وما زال حتى الآن، وخاض الكثير من العمليات الخاصة في الأرض المحتلة منذ تأسيسه، ابتداء بمعركة القسطل وليس انتهاء بمعركة نابلس، مرورا بدماء الفلسطينيين في غزة.
أما وحدة اليمام؛ فهي وحدة الاستيلاء النخبوية الكبرى في (إسرائيل) وتتبع لشرطة حرس الحدود وتتخصص في "محاربة الإرهاب"، تأسست عام 1974 من أجل التصدي لعمليات الخطف والمساومة.
يخوض مقاتلو الوحدتين تدريبات خاصة وطويلة؛ مزودين بأسلحة مختلفة وتكنولوجيا فائقة التطور، محصنين بملابس مدرعة ومركبات خيالية.
ويقول الناشط صهيب العصا عما جرى في نابلس مؤخرا من صد لاقتحامات الاحتلال ومواجهتها بالنار، أن مقاتلي الوحدتين "اليمام وجفعاتي" يدخلون ليلا إلى حي القصبة في البلدة القديمة؛ يستهدفون منزلا يختبئ فيه بضعة رجال؛ أعمارهم بين منتصف العشرينات ومنتصف الثلاثينات.
ويتابع العصا:" بعضهم أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال أي أنه انعزل عن العالم الخارجي بكل التطور الذي يحصل؛ محاطا بألف عين وعين تراقبه وترسم خطواته وربما تراقب أحلامه؛ ربما يكون لمس البندقية لأول مرة عندما نفذ أول عملية فدائية له (..) لا يعرف من فنون القتال العسكري إلا أن يرفع البندقية على الزاوية تسعين ويضغط على الزناد؛ ربما يكون فقيرا أو غنيا".
وأضاف في منشور له عبر الفيسبوك:" وتلك قضية لا تفرق في شيء إلا أنه يمكن أن يكون اشترى سلاحه من ماله ولم يبع ذهب زوجته أو أمه أو استدان من صديق.
يقاتل لأنه قرر ذلك؛ قد يجد سيجارة من صديق وقد لا يجد؛ لا راتب آخر الشهر ولا تجارة تحمي زوجته وأولاده مر السؤال من بعده".
وأضاف:" يخرج وهو يعرف أنه قد لا يعود؛ بينما يعود مقاتل اليمام أو جفعاتي غالبا ليكمل نومه بجانب زوجته على بُعد عدة كيلومترات من مكان المعركة في مستوطنة بناها له أبوه على مقبرة جماعية لفلسطينيين فقدوا منذ زمن ولا نعرف عنهم شيئا حتى الآن".